من أي بَأْس خُلق الصبر؟ إلى أي مدى تَمَسُكنا به يعصِمُنا؟ وكيف لي ألا أفلته من بين راحتيّ؟
واهجُر كلّ ما يؤذيك!
معذرة لقَلْبِك، فلن تستطيع في كثير من الأحيان.
هناك من يحمل بأهدابه أشواك الصبر، تظل تجرح راحتيه عمرًا، ولا يفتأ يصارع البقاء بإرادة مُحِب.
لن تنجو وأنت بكامل وعيك، سيظل هناك جزء خفي يعبث بداخلك فيؤرقك.
النجاة لن تأتي إلا بعد أن تخيط جراحك بيدك، بعد أن يتأكد القدر أنك تألمت بما يكفي، بعد أن تظن أنك تغرق وأصبحت تتنفس الماء، بعد أن يتوحد قلبك ألمًا وتظن أن لا شفاءا.
ستأتي هنالك النجاة، بغتة!!
فقط ثق أنها ستأتي.
لا زالت المحن تشكل قلوبنا. على الأرجح هناك حكمة حقيقية في كل ما يكابده هذا القلب. أشعر أن هنالك رحمة، كما أن هناك نهاية تليق بك، تليق بكل جهد أسرفت فيه، بكل تمسك أدْمى يديك، وتليق بكل الخيبات التي مرت على عمرك.
سيكون هناك فوز ساحق ونهاية تليق بصمودك المُشرف. قد تبدو بعض النوائب متصلة؛ لكن بواطن ضيقها دومًا يطل معه فرجًا قريبًا.
الجروح بصوت الصبر تلتئم. ما زلنا نقاوم، فلا يزال في الروح بقية ولا يزال القلب عفيًا، وهذا مراد الصبر في أرواحنا.
الصبر هو ذلك الحائط الذي يَحْجِبك عن هوى النفس وضعفها، يحميك من أن تنهار دفاعاتك، أن تسقط من التعب، وأن يتغلب عليك صَغَارك فتهوي.
أفعل شيئا لتنقذ بقايا هذا الإنسان بداخلك، تصدق على قلبك بشئ من الرحمة.
يا إلهي تخلل أرواحنا وقت فراغها، فلقد صارت أفئدتنا هواء.
العثرات تُشَيّب الروح، قد تكسبك صلابة لكنها تطفئ النفس.
لولا الزفير بعد الشهيق لختنقت الصدور؛ كذلك تمر على أرواحنا المِحَن.
كلنا نحبو على وجوهنا لننعم بتلك الأيام الهادئة، تلك التي فيها لا نتألم، لا نفزع ولا نَشُك بالنجاة .
ماذا لو أدلى القدر بدلوه في أمنياتك جميعها، فحققها كلها دفعة واحدة؟
أي سعادة ستمزقك؟ أي حلاوة قد تحنو على تلك الروح المهترئة؟ وأي تفجير بالحمد سيلهج به صدرك؟
طول فترات الوجع تُضْعِف القلب، ونعم قد نيأس، وقد نقنط أحيانًا لكننا لا نموت على ذلك أبدًا!
صدق المبدع الدكتور أحمد خيري العمري عندما قال:"ربما كان وجود الأشياء السيئة في العالم فرصة لنا لكي نختبر أنفسنا، لكي نفهم قيمة الأشياء الأخرى، الجيدة، الجميلة."
نحن لا نملك جهد فقدان الشغف في الحياة ولا نقوى على ترف الهزيمة؛ لابد وأن الله سيتلطف!
كل سُبل السلام بدونك لن تؤَمِنَني، وكل طرق الإغاثة بلا حراستك تُفجِعُني. أقف أمامك خالية الوفاض مفزوعة منزوعة القلب صفر اليدين، بلا مددك وفضلك على وتين قلبي وإغاثة لهفتي، فلا سبيل يُبقيني.
الحزن أمر شائع في قلوب البشر. لن أستطيع أن أكون إنسان لا علاقة لي بالحزن، لكن يمكنني أن أجدد ثقتي بك أنك دومًا ستدفع النبض في عروقي والهواء في صدري والأمل بداخل روحي.
لا يد تعلو على مشيئتك؛ سأتظاهر أني بخير حتى أُصْبِح كذلك.
بركتك يا إلهي أحْلِلْها على من أُحب فينجو. والتمس العذر لقلبي فما عاد يقوى، كلنا تَقْبُرنا الهموم ووحدك من يمنحنا حق النجاة.
طوال عمري كنت أبث في من أحب مبدأ جميل: "لا تخف أبدًا مهما كابدت، طالما أنار الله لك الطريق ومهده لك فهو يريدك أن تمر عليه لخيرٍ تحتاجه، وحتما سيرزقك من خلاله النهاية الآمنة".
لن أجد أفضل من مقولة الدكتور مصطفى محمود رحمه الله لتنتهي على أعتابها كلماتي: هذه الحياة تحتاج إلى قوّة هائلة من الصبر، إلى ركن شديد لا يتزلزل، إلى طاقة جبارة تعين المرء لاحتمالها، ولا شيء كاليقين بالله يفعل ذلك.
وها أنا الآن أدفع قلبي ليفعل.
التعليقات