ماذا يمكن أن يحدث وماهي التوقعات الممكنة إذا نشأ كاتباً بين أب يعمل رساماً وأماً عازفة للبيانو بإحتراف ليقرر هذا الكاتب بنفسه أن يكون أستاذا بمعهد الفنون – الكونسفتوار- قبل أن يتجه الى دراسة الفلسفة فيما بعد.
هذه الأسرة الصغيرة المولعة بكل أنواع الفن بشتى مجالاته لابد وأن يصبح حصادها أيضا بنفس الوتيرة الفنية وبذات التوليفة ، فنقرأ للكاتب رواية عظيمة عانت الكثيرمن الأزمات والمحن قبل ظهورها للنورأمام العلن ، وتحصد خمسة جوائز للأوسكار دفعة واحدة بعد تحويل روايته إلى فيلم بطولة الفنان العالمي عمر الشريف ،وتنتشر بعد حين من الزمن كرواية عالمية إنتشار النار في الهشيم – في إيطاليا - موطن غير موطن كاتبها الروسي الأصل الذي منعت دولته الرواية من الإنتشار بل وجرمتها ، وتتحول عام 1965 ميلادية أي بعد بداية كتابتها بتسعة عشر عاما إلى فيلم بإسم " دكتور زيفاجو" ليحصل الكاتب الروسي لوريس باسترناك لاحقاً على جائزة نوبل في الأداب قبيل موته بعامين.
المفاجأة في جائزة نوبل رفض باسترناك الحصول عليها لأسباب عدة أولها أسباب سياسية حيث أعتذر الاتحاد السوفيتي وقت الإعلان عن قبول ال الجائزة فأضطر باسترناك للإعتذار أيضاً ، ولأسباب أخرى نظراً لتلك المعاناة التي مرت بها الرواية التي بدأ في كتابة أحداثها عام 1946 ميلادية ، رافضاً الأسلوب القمعي المتبع آنذاك والذي تفضحه الرواية بشكل صريح في الاحداث الدامية للثورة البلشفية التي حدثت عام 1917 ميلادية والحرب الروسية التي أعقبتها.
تناول عامة الشعب بمختلف فئاته الحديث عن الرواية في الخفاء المستتر وكأن قرائتها فعل مشين يوجب التتبع والعقاب ، كما كانوا يتبادلونها سراً فيما بينهم مبدين إعجابهم بأحداثها الرمزية ،حيث رفضت السلطات أنذاك نشرها في الإتحاد السوفيتي لإشاراتها وتلميحاتها عن أحداث الثورة الروسية فتخرج الرواية متخفية إلى إيطاليا ومنها للعالم أجمع محدثة ضجة لم يتوقعها الجميع.
اللافت للنظرأن الرواية فلتت من بطش الديكتاتور ستالين حينما ورد إسم باسترناك حول الضجة التي أثارتها الرواية ليخبرهم ستالين وقتها قائلا " لاتلمسوا ساكن الغيوم " فينجو الكاتب بنفسه وبروايته من الدمار.
تبدأ أحداث الرواية بقصة الطبيب الوسيم الذي يعمل جراحاً - يوري زيفاجو، ومشاعره المتضاربة بل – الصادقة الى حد كبير بين إمرأتين أحبها بنفس القدر، زوجته وعشيقته، وهو ما يتزامن مع اندلاع الثورة الروسية لتتطور أحداث الرواية عن الأحداث الصعبة التي مرت بها البلاد وكيف يمكن للحب المزدوج أن ينمو ويترعرع وسط هذة البيئة الملوثة بدماء الحرب والتي تفشى فيها الظلم بعدل منقطع النظير.
الرواية نسخة مصغرة من الجو الفني الذي تربى فيه بوريس باسترناك وكأنك تستمع الى سيمفونية صاخبة بكل الأجواء المحيطة وتشاهد لوحة عالمية من الزمن المندثر ، تم تصنيف الفيلم الماخوذ عن الرواية بين افضل عشرة أفلام الأكثر ربحاً على مستوى العالم.
التعليقات