لابد للقدر من هبات يمنحها بسخاء عندما تئن الظروف ولو بعد حين ، فقد أصيبت الكاتبة السويدية سلمى لاجيرلوف – أول أمرأة تحصل على جائزة نوبل - بشلل في ساقيها خلال طفولتها وهي الحالة التي منعتها من السير لمدة أربعة أعوام علاوة على هروبها من الحياة اليومية القاسية ، فوالدها رجل قاسي القلب حاد المزاج ومدمن للكحول بشكل مستمر، مما أجبر الفتاة على الإنغماس بين رفوف الكتب منهمكة في قراءة الروايات والقصص لتتناسى قسوة الحياة، وكان ذلك عاملا محفزا ً خفف عنها الكثير من تلك المعاناة اليومية.
لم تكن تلك الظروف الأسرية وحدها التي عانت منها سلمى على مدار حياتها ، فرحلة الوصول للجائزة لم تكن كذلك ممهدة على طبق من فضة ، فقد حظر وقتها الشاعر السويدي كارل ديفيد أف ويرسين، الذي كان أمينًا عامًا للأكاديمية السويدية لفترات طويلة جداً أمتدت عشرات السنين ، إسم سلمى من الترشيح في خمس مناسبات ، وتذكر إليزابيث لاغرلوف، حفيدة أخاها، أن إسم سلمى كان كلما طُرِح للترشيح أقترح أمين عام الأكاديمية وضع إسم آخر يكون أكثر مناسبة لمنح تلك الجائزة.
وأخيرًا قررت لجنة الأكاديمية السويدية قرارها الأخير بعد طول إنتظارمنح سلمى الجائزة، وفي العاشر من ديسمبر عام 1909 تسلمت الكاتبة السويدية جائزة نوبل في الأدب، لتُسطَر في التاريخ كأول إمرأة تحصل على جائزة نوبل في مجال الأدب وقد عبرت اللجنة المقررة عن سبب منحها الجائزة بقولهم : " تقديرًا للمثالية النبيلة، والخيال الحي، والتصور الروحي الذي يميز كتاباتها" .
تتحدث رواية البديل وهي الرواية الأولى للكاتبة سلمى عن مشاعر الأمومة الفياضة التي تتحلى بها الأم ، الأم كإنسان حي تفيض منها المشاعر والأحاسيس والعواطف مالاحصرولانهاية لها وقد أودع المولى سبحانه وتعالى فيها من الصفات ما يؤهلها بجدارة لتكون الجنة تحت أقدامهن وليس لغيرهن هذا الشرف الإلهي ، كذلك دور الأم في كل أنواع الكائنات الحية الأخرى فلا فرق بين أمومة كائن حي عن آخر وقد أفضى فيهما الله إنساناً أوحيواناً كل الصفات التي تجعل من الأم ملاذا آمناً تستقيم به سبل الحياة.
الرواية من نوع الفانتازيا اللاواقعية ، والخيال الكامل بل والمعبرة في نفس الوقت بإقتدار عن مشاعر الأمومة بسؤال غير تقليدي يحمل الكثير من علامات التعجب والإستغراب ، وفحواه هل يمكن أن تتبدل تلك المشاعر بين كائن وآخر؟ وهل يمكن مضاهاة شعور الأم عند المرأة بنفس الشعور عند كائن حي آخر ؟ ، فماذا يحدث مثلا لو غلب الفضول أنثى أحد الحيوانات لرؤية وأستئثار الطفل البشري فتقرر أن تختطف ذلك الطفل الرضيع من صدر أمه وتضع صغيرها الحيوان بديلا عنه لتلك المرأة المُختطف رضيعها؟
هل تقوم المرأة الأم بتأدية نفس واجبات الأمومة تجاه هذا الحيوان الرضيع والعكس صحيح ، كيف تنعم أنثى الحيوان بطفل بشري وهل تقدر على تلبية احتياجاته من أمومة؟ هل يستقيم وضع الأم بوجود البديل؟
الرواية أثارت جدلاً لاحصر له، فكيف تعيش المرأة الأم مع طفل بديل "حيوان كائن حي ولكنه ليس إنسان بشري " يتصرف برعونة ، لتبدأ عملية محاصرته وعزله اجتماعياُ بل ويُطلب من المرأة الأم أن تقذف به جانباً ،لترحل به بعيدا عن أعين الناس لممارسة طقوس الأمومة بفطرية الأم وكما ينبغي ، فتخيط ملابسه وتحمله على كتفيها لتضمن له الحياة والأستقرار.
على الجانب الاخر كيف يمكن لطفل إنسان رضيع أن يعيش مع أم (حيوان) أثار فضولها أن تقتني كائن بشري حي لتتولى رعايته والأهتمام به ؟ فكلما تعرض الطفل البديل لقسوة باقي البشر من حوله ورفضهم ذلك الكائن الحي من فصيل الحيوانات كانت جماعة الحيوانات تقسو على الطفل الإنسان البشري ، فالمعاملة هنا في هذا العالم اللإفتراضي بالمثل والعكس صحيح كلما ترآى للبشر الرقة والحنان تجاه الحيوان البديل كان الجزاء من جنس العمل للطفل البشري .
الرواية في أقصى درجات الخيــــــــال المفرط واللاممكن ، ولكن أن تكون بدايات الكاتبة سلمى لاجيرلوف بهذا التصور الروحي في أولى كتاباتها فلابد أن تكون النهاية بجائزة التتويج.
للكاتبة عدة روايات أخرى أذكر منها على سبيل المثال ملحمة جوستا برلنج ،القدس،روابط خفية ،معجزات المسيخ الدجال ،مارباكا بالإضافة الى كتب سيرة ذاتية عن حياتها وكفاحها مع المرض تحت إسم " ذكريات من طفولتي" و " يوميات سلمى لاجيرلوف".
بقي شيئ أحببت ان أنهي به رواية البديل : قلب الأم لايتبدل وإن تبدل وضع العالم بأكمله ،فإذا حدث ذلك فهذه جُل الفانتازيا.
التعليقات