من المفارقات ان يقضي (ريان) في بئر بينما يموت ملايين الأطفال نتيجة نقص الآبار!! ومن العجيب في هذه المأساة التي فجعتنا جميعا ان يتعاطف العالم مع قصة الطفل المغربي ريان في حين لا نجد مثل هذا التعاطف مع أكثر من مليون طفل يموت سنويا وهو عطشان و جوعان أو بردان!
ربما من لطف الأقدار ان تظهر بين الحين والأخر قصة بطلها طفل تلفت أنظار العالم لإيقاظ ضمير الإنسانية، حدث ذلك كل مرارا منذ استشهاد الفلسطيني محمد الدرة الذي شاهد العالم كله أبيه وهو يحميه بجسده من رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي في غزة نهاية سبتمبر 2000، ومرورا بصورة جثة الطفل السوري الغريق (إيلان الكردي) الذي ألقته أمواج البحر على إحدى الشواطئ التركية عام 2015 والذي كان رمزا لأهوال رحلات اللجوء، وانتهاء بقصة ريان الذي تابع العالم خلال الأيام القليلة الماضية عملية إنقاذه من البئر الذي علق به 5 أيام في قرية بشمال المغرب، وقد حظيت القصة الأخيرة بتعاطف كبير من جميع أنحاء العالم.
وكان التساؤل المثار بعد انتهاء هذه المأساة هو لماذا تعاطف الناس مع قصة ريان وتابعها من البئر إلى القبر، بينما لم يحدث ذلك مع مأسي أخرى يتعرض لها ملايين الأطفال ونشرتها تفاصيلها وسائل الإعلام؟ ومنها موت 12 ألف طفل من الجوع سنويا أو وفاة 3.6 مليون طفلٍ العام الماضي بسبب عدم توفر المياه والصرف الصحي والتغذية والرعاية الصحية الأساسية، فضلا عن مصرع ملايين من الاطفال في مناطق الحروب والنزاعات.
الحقيقة ساهمت عوامل كثير في هذا الاهتمام العالمي بقصة ريان، أولها ان هذا الحادث تضمن عددا كبيرا من القيم الإخبارية كونه قصة إنسانية تتعلق بطفل عمره 5 سنوات ينتمي لأسرة فقيرة، فضلا عن أن القصة غير مسيسة على خلاف قصص الأطفال الأخرى في وسوريا العراق واليمن، بالإضافة الى تداول القصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فور حدوثها، ولكني اعتقد أن التأثير الأكبر يكمن في رمزية البئر والطفل وسقوطه البريء في غياهبه، حيث استدعت الحادثة في الذاكرة الجمعية قصة سيدنا يوسف وأخوته.
نتمنى ان يستثمر إعلامنا هذا الزخم والتعاطف الإنساني للفت الانتباه إلى مأسي الأطفال في العالم بخاصة في وطننا العربي، فالتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية تجسد هذه المأساة ، ومنها تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الذي يوضح أن طفلا يلقى مصرعه كل خمس ثوان، بسبب عدم توفر المياه والصرف الصحي والتغذية والرعاية الصحية الأساسية، وتذكر هذه التقارير أن الجوع يتسبب بوفاة 3.1 مليون طفل تحت الخامسة سنويا ويتأثر 16 مليون طفل سنوياً بسوء التغذية الحاد. ويعاني 1 من كل 6 أطفال في البلدان النامية من نقص الوزن للسبب ذاته. ويصاب ربع أطفال العالم بالتقزم بسبب قلة الغذاء ويذهب 66 مليون طفل إلى المدرسة الابتدائية وهم جوعى.
وذكرت منظمة "أنقذوا الأطفال" أنه، يجري تشويه أو قتل نحو 25 طفلاً يومياً منذ عام 2010 في مناطق النزاعات. وعلى مدى أكثر من 10 سنوات، ما يزال الأطفال في سوريا، الضحية الأكبر للصراع هناك، وبجانب عشرات آلاف الأطفال الذين قتلوا خلال تلك الحرب، فإن عشرات الآلاف الآخرين يعانون الأمرين خلال النزوح وبمخيمات اللاجئين، وهناك أكثر من 2 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرس.
وفي اليمن يموت أكثر من مئة ألف طفل، سنويا نتيجة الأمراض الفتاكة، ويعاني نحو مليوني طفل، من سوء التغذية وبجانب أخطار القصف جوي، والألغام والتجنيد القسري.
وفي غزة يعاني الأطفال الامرين قتلا وتشريا على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي ورصدت الأمم المتحدة 1031 انتهاكًا ضدّ الأطفال الفلسطينيين في عام 2020. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز الأميركية في مايو الماضي صور 66 طفلاً فلسطينياً قضوا خلال الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة ، فضلا عن الأطفال المعتقلين في السجون الإسرائيلية ومنهم الطفل أمل نخلة المعتقل منذ عام.
لكل ذلك فإن السؤال الأهم بعد هذه مأساة الطفل المغربي لم يعد: لماذا تابع الملايين إنقاذ ريان؟ وإنما أصبح: كم مليون ريان في أمتنا يحتاج إلى الإنقاذ؟!
التعليقات