تبرز مؤشرات الترند من حين لأخر، أحداثا معينة أو شخصيات بعينها، لا تعبر بالضرورة عن الاهتمامات الحقيقية للشعوب أو ما تحتاجه بالفعل، كما يجري التروج لهشتاجات، بعيدة عن أولويات الجماهير واحتياجاتها الصحيحة، فليس كل ترند انعاكسا لقضايا تشغل الناس، ولا كل هتشتاج يعبر عن ما إليه الشعوب تشتاق!
بل صارت لعبة الهشتاجات من عناصر الترويج ومن أدوات البزنيس كما أصبح الترند في بعض الأحيان (اشتغالة) يبعد الناس عن أولوياتهم الحقيقية.
لا نقول ذلك بسبب ترند المدرسة التي رقصت في رحلة نيلية، ولا ردا على ترند شيماء الذي جعل بعض البرامج، التي نحسبها تتمتع بقدر من المهنية، يستضيف صبيا يبحث عن بطة جريا وراء ذلك الفيديو الذى يحظى بخمسة ملايين مشاهدة، وإنما نناقشه لأننا أصبحنا نفيق كل يوم على ترند من هذه النوعية التي تختصر اهتمامات الناس في موضوعات سطحية أو على الأقل ليست من بين أولوياتهم وقضاياهم الملحة.
على سبيل المثال اذا دقننا في نتائج أبرز مؤشر في هذا المجال : (جوجل ترندز) حول أكثر الموضوعات بحثا من جانب مستخدمي هذا المحرك البحثي الشهير بمصر خلال العام 2021، فلا نجد بينها أيا من الأحداث المهمة التي شهدها العام المنصرم ، مثل أزمة سند النهضة الاثيوبي، أو الغاء مد حالة الطوارئ ،أو القطار الكهربائي أو حادث جنوح السفينة إيفر جيفن ولا حتى نقل المومياوات الملكية أو افتتاح طريق الكباش، ولا اكتشاف "المدينة الذهبية المفقودة" بالأقصر، وهي ثاني أكبر اكتشاف أثري بمصر بعد مقبرة "توت عنخ آمون". وفي أبرز الشخصيات لا نجد من بينهم أيا اسم من العلماء المصرين الذين سجلوا ابتكارات او حصدوا جوائز عالمية، ولا ممدوح السبيعى، «بيج رامى»، الذي نجح فى تحقيق إنجاز تاريخي كبير بفوزه بلقب مستر أولمبيا 2021 للمرة الثانية.
فقد كشف (جوجل) في تقريره السنوي أن أكثر خمسة موضوعات بحث عنها مستخدموه بمصر خلال 2021، تصدرها النادي الأهلي، يليه نتيجة الثانوية العامة، ثم تسجيل لقاح كورونا، والفنانة شريهان ، وأخرها الألعاب الأولمبية الصيفية.
أما أكثر أسماء الشخصيات بحثا، فكانت الفنانة بسنت شوقي في المقدمة، تلاها لاعب الأهلي المنضم حديثا بيرسي تاو، وفى المركز الثالث البلوجر دينا داش، وفي الرابع لاعب منتخب مصر عمر مرموش. وفي الخامس الإعلامي وائل الإبراشي.
هذه الفجوة بين اهتمامات الناس الحقيقية، وأولويات الترندات والهشتاجات، ينبغى أن تكون محل دراسات علمية لدى الباحثين في مجال الإعلام وتكنلوجيا المعلومات، لذلك حرصت على أن تكون إحدى النقاط التي تناولتها محاضرة ألقيتها (اون لاين) خلال الأيام القليلة الماضية بمخبر بحوث ودراسات الميديا الجديدة التابع لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة المسيلة بالجزائر، بدعوة من الدكتورة سعاد ولد جاب الله أستاذ الإعلام والاتصال بالكلية، واخترت ان أطرح سؤالا محوريا في الممارسة الإعلامية: هل على الإعلامي أن ينشر ما يريده الجمهور أم ما يحتاجه؟
الحقيقة انه منذ نشأة الصحافة العربية ولعقود عديدة ظل رجال الإعلام يشغلون موقعا متقدما في المجتمع بوصفهم من قادة الرأي بخاصة وأن النخبة الثقافية في البدايات كانت هي التي تكتب مقالات بالصحف، وقادت معارك التحرر الوطني في كثير من البلدان، ومن هنا كان الإعلاميون يقدمون ما يرون أن الجهور يحتاجه، بخاصة وان اتجاه الإعلام ظل لسنوات عديدة من المرسل الى المستقبل، وقد تعرضت إحدى نظريات الإعلام (نظرية ترتيب الأولويات Agenda-setting (theory) لذلك الارتباط ، حيث تفترض النظرية وجود علاقة بين القضايا التي توليها وسائل الإعلام مزيدًا من الاهتمام وبين تزايد اهتمام الجماهير بتلك القضايا.
أي ان الإعلام هو الذي يؤثر في أوليات الجمهور. ولكن بعد ظهور الثورة الرقمية تبادل المرسل والمستقبل الأدوار. مما زاد من أهمية الجمهور في تحديد أوليات الإعلام. فاليوم أصبح ما يبحث عنه الجمهور فيما يعرف بالترندز، هو الذي يوجه اهتمامات كثير من الصحف الإلكترونية، ولكن ينبغي التعامل مع ذلك بحكمة فالإعلامي عليه ألا ينساق وراء الترند الذي قد يكون موضوعه في كثير من الأحيان سطحيا، وإنما عليه أن يختار ما يعبر عن الاهتمامات الحقيقية للجمهور.
التعليقات