وافق مجلس النواب الثلاثاء الماضي على مشروع قانون بإنشاء "المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار"، ويهدف إلى وضع السياسات العامة للتعليم بكافة أنواعه، ومراحله، والإشراف على تنفيذها، بهدف النهوض بالتعليم وتطوير مخرجاته بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل المحلية والدولية، كما يهدف لرسم السياسات العامة للبحث والابتكار .هذا المجلس يتوج كل الجهود المؤسسية بمجال التعليم والبحث العلمي والابتكار ومن ثم نتوقع منه إعطاء دفعة قوية لهذا المجالات. ولأن المجال لا يتسع هنا لتناولها جميعا، فإننا في هذه السطور نستعرض بعض المؤشرات الأولية المتعلقة بالبحث العلمي والابتكار مقارنة بدولة الجوار وبخاصة تلك التي أظهرت تطبيقات تكنولوجية متقدمة فوق خط النار!
بداية تؤكد البيانات الصادرة عن جهات دولية أن لدى مصر فرص وإمكانات هائلة لتحقيق تفوق كبير في البحث العلمي والاختراعات، على سبيل المثال، صنفت قاعدة بيانات "سكوبس" العالمية مصر في المرتبة الـ 36 من بين 234 دولة وإقليما عام 2020 من حيث العدد الإجمالي للأبحاث التي جرى الاستشهاد بها.. ومن ثم فيمكن أن نحقق نتائج أفضل إذا تم حل بعض العراقيل، ومن أبرزها:
أولا: إن الميزانية المخصصة للبحث العلمي تعتبر ضعيفة نسبيا، فإذا قارنا بين مصر و"إسرائيل" على سبيل المثال في هذا المجال، سنجد ان نسبة انفاق إسرائيل على البحث والتطوير عام 2021 ، بلغت 5.56 % من إجمالي الناتج المحلي، بينما بلغت النسبة في مصر 1.02% في العام 2022، وفقا معهد اليونسكو الإحصائي. ومن حيث ميزانية البحث العلمي، بلغت للسنة المالية الجديدة 2024/2025 بمصر 6 مليارات جنيه (تعادل: 123 مليون دولار تقريبا) بينما بلغت في إسرائيل18 مليار دولار، أي انه ضعف إنفاقنا بأكثر من 140 مرة! وشغلت إسرائيل (المرتبة 14) في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2023 بينما شغلت الإمارات (المرتبة32) والسعودية(48) وقطر(50) والأردن (71) ومصر (86). ووفقا لتقارير دولية فإن قيمة التمويل الفعلي للبحث العلمي في مصر يساوي 10% فقط من المبلغ المفترض استثماره بهذا المجال.
ثانيا: تضاؤل مشاركة القطاع الخاص في البحث العلمي بمصر، حيث يسهم بنحو 5 % فقط من حجم الإنفاق على البحوث وفقا لتقدير أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وهو ما يتطلب إلزام الشركات بتحصيص جزء من أرباحها سنويا للإنفاق على البحث العلمي، كما فعلت الكويت التي تفرض نسبة معينة من أرباح الشركات لدعم "مؤسسة الكويت للأبحاث العلمية". ويقوم القطاع الخاص بمساهمات كبيرة بهذا المجال في عدة دول عربية أخرى، تبلغ نحو ثلث حجم الإنفاق على البحث والتطوير في الأردن، و30 % في المغرب و29 % في الإمارات، وفقا لمعهد اليونسكو للإحصاء.
ثالثا: أن توزيع التمويل، تكتنفه مشكلتين، الأولى: أن غالبية المخصصات المالية للبحث العلمي تذهب مرتبات للعاملين بالجهات البحثية، والثانية: اتساع وتزايد قاعدة الباحثين بمصر (يوجد 140 ألف باحث في مصر حتى العام الماضي، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات).
رابعا: العراقيل التي تعوق الحصول على المعدات، حيث أن أغلب الأجهزة العلمية وعينات المواد الضرورية لبحوث العلوم والتكنولوجيا والهندسة يتم استيرادها، وغالبا تبقى لفترات طويلة معطلة بالجمارك، فضلا عن نقص التمويل اللازم لصيانة المعدات الموجودة بالفعل.
والحقيقة أن هناك جهود حكومية تجري لمواجهة بعض هذه المعوقات بخاصة من جانب وزارة التعليم العالي مثل "صندوق دعم المبتكرين" التابع لوزارة التعليم العالي (ISF) الذي يهدف إلى مساعدة الباحثين الطموحين على مواصلة عملهم في الأفكار القابلة للتطبيق تجاريا من خلال منح تصل قيمتها إلى مليون جنيه. ومبادرة "ساينس أب" لرفع كفاءة معامل البحوث والتطوير بالجامعات الحكومية لتوفير المزيد من المنح وتطوير المعامل في 24 جامعة حكومية. ولكن هذه الجهود المشكورة غير كافية ونأمل من "المجلس الوطنى للتعليم والبحث والابتكار" الجديد، مواجهة هذه المعوقات وتقديم حلول أشمل وتوفير الدعم والأموال اللازمة، وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، والتشجع على التفكير الابتكاري لدى الطلبة، وتوفير بيئة عمل مشجعة للمبتكرين ورواد الأعمال، وتعزيز التعاون بين القطاعين الأكاديمي والصناعي في مجال البحث والابتكار، بما يضاعف الإنتاج المصري من البحوث العلمية والابتكارات التي تشكل إلى جانب التعليم، قاطرة التنمية والتقدم.
التعليقات