إن امثالنا الشعبية تصيب الهدف وفيها كثير من الخلاصة لما يحدث في الدنيا بشكل مذهل.
المثل يتكون من عدة كلمات ولكنه يصف الوضع بالضبط ويوضح المعنى بطريقة بليغة تتجاوز المثل نفسه وتمتد إلى ما هو أعمق .
تأتي تلك الأمثال بسبب قصة أو رواية أو ربما حكمة مستنبطة من موقف ما، وفي أحيان أخرى تكون مبنية على موقف شخصي أو حياتي أو من خلاصة خبرات مر بها الأخرين.
تلك الأمثال تتجاوز القصة نفسها وتكون أعمق في الرسالة لتصبح قاعدة عامة يشار لها في مواقف مشابهة لمئات السنين.
مثل من تلك الأمثلة الصارخة هو :الغجرية ست جيرانها.
أنا أعتقد أن هذا المثل هو حقيقي جداً مع أختلاف المسميات من غجرية إلى أي اسم مشابه.
وخلاصة المثل أن السيدة سفيهة اللسان ( أو الشخص السليط اللسان سواء كان رجلاً أم أمرأة ) يتقي جيرانها ومن حولها شرها بأي طريقة فتصبح مُهابة بينهم ولها شنة ورنة وذلك ليس لشخصيتها مثلا أو للطف معاملتها مع الناس، بالعكس تماماً هي كذلك لأنها لا سقف لها من النزول والإنحدار وهي شخص يمكن أن يفعل أي شيء ولن يقف عند حد ما مما يجعل الآخرين لا يقتربون منها.
بالتحليل البسيط نجد أن الناس تقف في أربعة فئات وأنواع من تلك الغجرية:
النوع الأول : يتجنبوها تماماً و مبدأهم أنها طالما لم تؤذيهم أي أذي مباشر فلا داعي من التصدى لطريقتها وأسلوبها فطالما هذا الشخص لا ضرر من الغجرية عليه فهو يكون على الحياد تماما مع أسلوبها.
النوع الثاني: متفرج لهذه الغجرية عن بعد وهو يخاف من المواجهة لانه لن يستطيع أن يجاريها في مستواها المنحط ولا يمتلك سوى التعاطف في صمت مع تعساء الحظ الذين وضعهم حظهم العاثر في طريق الغجرية.
النوع الثالث: يعلم تماماً أنها غجرية و أنها متجاوزة ولكنه يفضل أن يكسبها إلى جانبه وفي صفه بدلاً من أن تكون ضده، هذه الفئة يكون منطقهم ' من لا أحتاجه اليوم قد أحتاجه غداً ' لذا يحافظ علي المودة بينه وبين الغجرية ويترك الباب موارباً وجاهزاً لأي أحتمال .
اما النوع الرابع والأخير : فهو نوع قادر على مواجهة الغجرية وله من الحكمة والحنكة ما يستطيع أن يفعله لردعها ولكنه مترفع عن الدخول معها في أي صدام أو أي تقويم لطريقتها لانه ينأى بنفسه من أن تصيبه سهامها فيؤثر السلامة عن قوة وليس عن ضعف عن أن يواجهها ويكون دوماً تعقيبه : أن الناس لا تتغير وأنها غجرية وتعلم تماماً ماذا تفعل وهي لا تنتظر أن نعلمها الصواب والخطأ ويعلل عدم تدخله بأنها مدركة خطأ تصرفاتها .
بالنظر إلى الأنواع الأربعة تظل للفئة الرابعة أفضل بكثير من سابقيها ولكن في كل الحالات ومع أختلاف الشخصيات والتربية وطريقة التفكير تبقى حقيقة واحدة وهي أن الغجرية يصبح عندها حصانة وتكون untouchable .
ولا تقف القصة عند هذا الحد لأن الغجرية تتمادى أكثر وأكثر ويظهر تجاوزها جلياً ملياً لا يحتمل الشك ويصيب العديد من الناس المقربين إلى قلوبنا وأحبائنا وحينما يحاول الناس التدخل يذهبون إلى من تم التجاوز في حقهم ويقولون لهم كلام على شاكلة: أنت تعرفين طريقة الغجرية وهي مجنونة وهي ممكن أن تفعل أي شيء ونحن طبعاً نعرف أنها تجاوزت معك ولكن كل آناء ينضح بما فيه …
أنه شيء مؤسف ومخجل في الحقيقة أن عدد الناس المحترمة الذين يضعون الغجرية في منزلة كبيرة أكثر بكثير ممن يحاولون إظهار الحق ورفع الظلم عن ضحاياها وينتهي الأمر بالغجرية لتصبح ' فتوة الحتة '.
ثم نعود ونتسأل لماذا أنحدرت أخلاق الناس؟ ولماذا تدنى مستواهم ولم لا يهّبون لنصرة المظلوم ويكتفون بتجنب الظالم ؟ وكيف أصبح منهم شريحة منافقين يصفقون للظالم أحياناً ؟
نتسأل كل هذه الأسئلة وفي الواقع أننا بأرادتنا وتصرفاتنا جعلنا ' الغجرية ست جيرانها ' .
التعليقات