سيبقي المشير محمد حسين طنطاوي، الذي صعدت روحه إلى خالقها أول أمس، خالداً في ذاكرة المصريين، وستبقى مواقفه الوطنية شاهدة له على ما بذله من جهد وعرق في خدمة مصر،مصر الوطن الذي يستطيع بسهولة أي مواطن أن يرى صورة مصر على وجهه، وبشرته، وملامحه،وتعبيراته الصامتة المؤثرة والأقوى من أي كلام أو حديث أو تصريح.
ولم يكن الرجل الذي تولى وزارة الدفاع لسنوات طويلة، ثم تولى زمام الأمور في مصرعام 2011،شغوفاً بالإعلام وحب الظهور، ولم يكن مولعاً بالسلطة وإغرائها، برغم أنه كان يستطيع أن يحتفظ بها بأساليب عديدة، لكنه المقاتل الشرس الذي دافع عن تراب مصر، وكرامة المصريين في حرب أكتوبر قائداً من القادة، فكيف يعرف خيانة العهد، وهوالذي تعهد بتسليم السلطة في 30يونيه 2012،وصدق القول والفعل، وتحمل الأمانة المُكلف بها من الرئيس الأسبق حسني مبارك مع أعضاء المجلس العسكري.
ويعرف كل مصري كيف كانت محاولات الإلتفاف حول السلطة، سواء من البعض الذين حاولوا إقناع المشير طنطاوي بالبقاء في السلطة، أو الذين حاولوا إقناعه بخروج بعض أعضاء المجلس من القوات المسلحة للترشح لرئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبره المشير الراحل إخلالاً بوعده، وإلتفافاً على كلمة شرف خرج بها للمصريين.
وكان الغدر من نصيب المشير وبعض رفاقه أثناء تولي جماعة الإخوان الحكم، وكانت إقالته من منصبه بقرار من الرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعته مهينة للغاية، وكان يستطيع بسهولة أن يخرج للمصريين ليحكي ما وراء الكواليس، لكنه البطل الذي تحمل كل شئ في سبيل استقرار الوطن، والخوف على مصيره من الانقسام، أو المضي في طريق الدماء بسبب السلطة.
وسجل المشير طنطاوي اسمه بأحرف من نور، ليعيد إلى الأذهان ما فعله المشير عبد الرحمن سوار الذهب في السودان عندما تولى السلطة عام 1985 بعد الانقسام والانتفاضة، كونه أعلى قيادة في الجيش، ثم صان العهد بتسليمها في العام التالي 1986، ليضع المشير طنطاوي اسمه جنباً إلى جنب مع سوار الذهب، ليكونا مثلاً للنزاهة، وحب الوطن، والذود عن السلطة في سبيل استقرار الوطن.
والفترة التي تولى فيها المشير طنطاوي، والإساءة التي تعرض لها من الداخل، أو عملاء وخونة الخارج لم يرد عليها، ولم يشغل باله سوى بمصر وأهلها فقط، وفي ورأيّي أنه إذا كان تسجيل بعض البطولات لضباط الجيش والشرطة في أعمال درامية ضرورة للأجيال القادمة، فإن حياة المشير طنطاوي منذ نشأته، وبطولاته الحربية في حرب أكتوبر، ثم قيادة الجيش الثاني، وقوات الحرس الجمهوري، ووزارة الدفاع، ثم حكم مصر حتى تسليم السلطة 2012 هي أكبر وأعظم مادة لصناعة عمل يليق بمصر، وشعبها وأبنائها المخلصين، مرحلة مهمة في عمر الوطن، قبل أن يليق بتاريخ المشير نفسه.
وعلاقة الأبوة والأخوة والقدوة بين المشير طنطاوي، والرئيس عبد الفتاح السيسي، شاهدة على عظمة هذا الرجل، ومن المؤكد أن حنين الرئيس السيسي لهذا الرجل، ودوره الوطني، حتى بعد خروجه من السلطة، وحرص الرئيس السيسي على حضوره لأهم المناسبات الوطنية، وافتتاح المشروعات، وإطلاق اسمه على الكثير من الإنجازات، يحمل الكثير من الكواليس غير المعلنة التي تثبت عظمة هذا الرجل.
إن حياة المشير طنطاوي كان أغلبها في خدمة مصر ، ومصيرها،حرباً وسلماً، ودوره الوطني لابد أن يُسجل للأجيال القادمة، ليعرفوا كيف تكون البطولة، وخدمة الأوطان في أشد الظروف، وكتم الغيظ، وعدم الرد على الإساءة، في سبيل رفعة الوطن، والحفاظ على نسيجه الوطن، فالمشير يمثل مرحلة حاسمة من تاريخ مصر، والمصير الذي كادت مصر أن تسير فيه، لولا حب وتفاني وإخلاص هذا الرجل لوطنه الحبيب وشعبه.
التعليقات