ستبقى صورة الطفل الرضيع في مطار كابول شاهدة على هذه المرحلة التي وصلت إليها أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور عقب الإنسحاب الأمريكي، كما ستبقى الصورة أيضا شاهدة على استمرار أمريكا في بيع الوهم للعالم بعد تنفيذ مخططها، حتى لو تطلب الأمر إعلان الفشل الظاهري أمام العالم، لأن الأهم هو السير في الطريق المرسوم وفقاً للمتطلبات المرحلة الجديدة.
وكانت صورة الطفل الذي تقاذفته أيدي المحتشدين في مطار كابول سعياً للهروب ناقلة للمشهد، والتخوف من المستقبل المظلم لدى الكثيرين، بغض النظر عن أسباب الصورة سواء كانت لإخراج الطفل مع الجنود خارج أفغانستان، أملاً في مستقبل أفضل له، أو السعى لتلقيه العلاج، والنجاح في لم شمل أسرته بعد تلقيه العلاج، فالأمر لا يختلف كثيراً.
لقد جاءت صورة الطفل الرضيع لتؤكد للعالم أجمع، الحالة التي وصل إليها الكثيرون عقب سيطرة طالبان، وكيف لطفل في هذا السن لايعرف اسم وطنه حتى الآن أو ديانته أن يبقى مرفوعاً بين الأيدي بحثاً عن العلاج أو المصير الآمن!، فكلاهما نتيجة طبيعية لما حدث، ويبعث الرعب لدرجة جعلت من الجنود الأمريكيين الملاذ الأفضل للطفل.
وظهرت أمريكا عبر جنودها في شكل المُنقذ بعد الإعلان عن النجاح في لم شمل أسرة الطفل، وأنه مع أسرته في مكان آمن داخل مطار كابول، رغم أن الإرادة الأمريكية هي السبب الرئيسي، والشريك الفاعل لما آلت الأمور داخل أفغانستان، فكيف نراها الملاذ والمنقذ؟، وكيف نُصدق حالة بيع الوهم للعالم باستغلال هذا المشهد في أمور كثيرة.
وبالنظر إلى أول رسائل طمأنينة من حركة طالبان بشأن عدم تعرضها لحياة وأمن المواطنين، ومنهم الذين تعاملوا مع حلف شمالي الأطلسي "الناتو" والأجانب، نرى بعد أيام إعلان وثيقة للأمم المتحدة تؤكد قيام طالبان بالبحث عن الأشخاص الذين عملوا مع قوات الناتو، أو الحكومة الأفغانية السابقة، والتنقل من منزل إلى آخر بحثاً عنهم، وتهديدهم، بالرغم من تأكيد الحركة عدم تبني الفكر الانتقامي لخصومها.
وعلى المنابر، كانت الخطبة الموحدة الجمعة الماضية، بناء على تعليمات قيادات الحركة لأئمة المساجد وغيرهم، بشأن محاولة الحركة بث الطمأنينة في نفوس المواطنين، وهي رسائل غير مطمئنة واقعياً، لأن الغالبية يعرفون مصير حياتهم في استمرار هذا الوضع، والسيطرة على مقدرات البلاد.
وتأتي الخطبة الموحدة لتؤكد استغلال المنابر في تحقيق الأهداف، حتى وإن كانت مجرد شعارات، في حين نجد الداعمين لأفكار طالبان، وأنصار جماعة الإخوان الإرهابية ينتقدون الخطبة الموحدة أثناء تطبيقها في مصر، ويوجهون سهام النقد للمؤسسات الدينية المختلفة، برغم أن مصر تسعى لوأد الأفكار الظلامية، والتخلص من التشدد الديني، ومحاربة تجار الدين على المنابر، وليس الإتجار بالدين واستغلال المنابر وحديث الكذب كما يحدث في أفغانستان.
إن المشهد الأفغاني يوحي بالكثير من الدروس التاريخية لمن أراد أن يذّكر أو أراد رؤية المشهد على حقيقته حينما يتصدر التسلط الديني المشهد، ويصبح كل شئ مباحاً وباسم الدين، والدين من كل ذلك براء، لأن الوطن للجميع، ومن حق هذا الطفل الرضيع وأسرته وكل أفغاني أن ينعم بالأمن والاستقرار في وطنه، مهما تغيرت الأمور، وتبدلت السلطة، لتبقى صورة الطفل أكبر صفحة تاريخية لتسجيل ما حدث.
التعليقات