هناك من يهتمون بشدة بالتفاصيل البسيطة، التي تحدث ضجة كبيرة بداخلهم وتؤثر عليهم بشكل ما، وقد تسعدهم أو تحزنهم أيضًا؛ فتلك التفاصيل الصغيرة التي لا يهتم بها أحد في إطار المشاهد الحياتية اليومية المتلاحقة، تحمل في طياتها أحداثا ومواقف تساعد في توقع النتائج المستقبلية بدقة كبيرة، وبالتالي تساعد في اتخاذ قرارات سليمة.
فالأفعال العادية بالنسبة لنا لا يعتبرونها عادية، وغالبًا ما تكشف عن أنماط البشر وكيفية مواجهة التحديات في الحياة، سواء المهنية أو الشخصية.
ما سبق، أثبته مؤسس شركة "فورد" للسيارات "هنري فورد"، عندما كان ينوي تعيين مدير جديد، إذ كان يضع ذلك المدير في اختبار غريب نوعا ما، يعتمد على "تفصيلة صغيرة جدًا" في الحياة اليومية لكل شخص، لكن لها دلالة كبيرة جدًا!
فما هو ذلك الاختبار؟
كان "هنري فورد" يأخذ ذلك "المدير" الذى يرغب في تعيينه ليتناول معه وجبة الغداء في أحد المطاعم، ويراقبه "فورد" جيدًا، وعند وضع الطعام على المائدة، إذا وضع ذلك المدير الملح على طعامه من دون تذوقه أولًا؛ فإنه يرفض تعيينه من دون تفكير.
لماذا؟
كان "فورد" يعتبر إضافة الملح على الطعام من دون تذوقه أولًا؛ دليلًا قاطعًا على أن ذلك المدير سينفذ الخطط من دون اختبارها أولًا؛ ما ينتج عنه خسارة للموارد، وبالتالي عدم الوصول للأهداف المنشودة بالكفاءة والفاعلية المطلوبتين!
كثيرًا ما نهمل التفاصيل الدقيقة للأشياء.. فيؤدي ذلك إلى الفهم السطحي عند تناول موضوع ما. إذ إن إدراكنا للمواقف يغلب عليها الطابع العاطفي، أي أن قراراتنا لا تُبنى عن استيعاب وتحليل وربط أحداث ذلك الموضوع، ولكن تبنى على معتقدات يتحكم فيها الإحساس وليس العقل. فنجد أن "فورد" لم يتأثر بما يحمله الشخص المرشح للوظيفة من شهادات، بل نظر إلى التصرف التلقائي البسيط عند تناول الطعام. لأن ذلك التصرف هو طبيعة راسخة داخل الفرد لا تتغير بتغير الظروف أو المواقف.
برر "فورد" رفضه المدير المرشح بأنه يقدم على تنفيذ المخطط العام من دون اختبار، ما يؤدي إلى خسارة حتمية، هذا ما ينطبق أيضا على مسار الحياة الشخصية، فيقال "من شبّ على شيء شاب عليه"، أي أن من تعود على فعل الشيء في صغره، لن تستطيع تغييره عند الكبر!
وبالتالي، فإننا إذا دققنا في التفاصيل، سنكتشف ما لا تراه العين.
فهل تتخيل ما سيحدث إذا ما دققنا بالمنطق نفسه في العلاقة بين شخصين مقبلين على الزواج، فوجدنا الطرف الأول منفتحا على العالم بالقراءة والتعلم واكتساب المعرفة، والثاني تعد القراءة بالنسبة له فعلًا ثانويًا، والمال عنده هو ما يوصل الفرد إلى تحقيق كل أحلامه.
من هذه التفصيلة فقط.. نستطيع أن نحكم بكل منطق أن تلك الزيجة مصيرها الفشل. لكن إذا ما تم الزواج على أساس المصالح المادية، فسوف يؤدي إلى نفس النتيجة، وبالتالي يدفع بالمجتمع إلى حافة الهاوية.
وأخيرًا.. يتلخص كل ما سبق في المثل القائل "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة".
التعليقات