ككل الرجال الذين اعتقدوا أن القدر اختارهم لأداء مهمة سامية، كان هتلر بحاجة إلى عصابة، فأسس في إبريل من عام 1925 حلقة مخلصة من الحراس الشخصيين سيعرفهم العالم لاحقا بالـ "إس إس"، وهو اختصار لتعبير ألماني يعني "القيادة الحارسة".
ومن عام 1929 سيرتبط مصير هذه العصابة بإسم "هينريش هيملر"، وهو واحد من أشهر المخلصين في تاريخ الجريمة المنظمة، وبقدوم عام 1933 الذي تولى فيه هتلر السلطة في ألمانيا بطريقة ديمقراطية نزيهة، كان "هيملر" قد رفع عدد أعضاء الـ"إس إس" من ثلاثمائة إلى خمسين ألفا من الرجال المخلصين.
وعندما دهست قوات الحلفاء شوارع برلين وكرامتها في عام 1945 كان عدد أفراد التنظيم يبلغ ربع مليون من المؤمنين بتفوقهم وحقهم في سيادة العالم.
وكزعيمه الملهم لم يكن "هيملر" مؤمنا بالقوة الغاشمة فقط، لكنه كان أيضا مؤمنا بالعلم. فبينما كانت المصانع تنتج السلاح المتفوق، كان "هيملر" يعمل على إنتاج الرجال المتفوقين الذين يستحقون حمل هذا السلاح، لذا، وفي عام 1935 تم إطلاق برنامج "ينبوع الحياة" كتجربة علمية سرية تهدف إلى إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفراد المنتمين لـ "سلالة الأسياد".
وكان على رجال الـ "إس إس" أن يبحثوا عن الفتيات والنساء الجديرات بأن يحملن في أرحامهن بذور العظمة. ولحسن حظهم، كان هتلر ذو الشعر الداكن والقامة القصيرة يتمتع بشعبية طاغية بين الكثيرات من فتيات ألمانيا من ذوات السيقان الطويلة والشعر الذهبي، فلم يجد الـ "إس إس" صعوبة في العثور على متطوعات مؤهلات للمساهمة في خطة "الفوهرر" العظيمة للارتقاء بالوطن.
ولم يكن الانضمام لبرنامج "ينبوع الحياة" متعدد المزايا متاحا بالطبع لأي امرأة. فلم يكن يُقبلُ سوى النساء اللاتي يثبت نقائهن العرقي بالتجارب البيولوجية. كما يكُن يخضعن لاختبارات قاسية للتيقن من إيمانهن الكامل بالعقيدة النازية. وبعد التأكد من خلوهن من الأمراض المزمنة وتغذيتهن تغذية صحية سليمة، كان على ضباط منتخبين بعناية من وسط رجال الـ "إس إس" أن يقوموا بمهمتهم المقدسة في غرس بذورهم الآرية في أرحام هؤلاء الوطنيات المخلصات.
ومن حقنا أن نتخيل أن الرجال الذين أوكلت لهم تلك المهمة كانوا يؤدونها عن طيب خاطر. فمضاجعة شابة جميلة برضاها، تحت سمع السلطة وبصرها، ودون أدنى مسؤولية تجاه الطفل الذي قد ينتج عن تلك المضاجعة، ليس من الأشياء التي يسهل رفضها. خاصة أن الرجل في تلك الحالة لم يكن عليه أن يدفع للمرأة أجرها، بل لم يكن عليه حتى أن يعرف إسمها.
وفي مقابل المال والحماية لهن ولأسرهن، كانت أمهات "ينبوع الحياة" يتنازلن عن مواليدهن الآريين للدولة. وكان هؤلاء المواليد يُحملون إلى مراكز مخصصة لتتم تنشأتهم البدنية والنفسية بما يليق بمن آتوا من أصلاب الآلهة.
كان يتم منح هؤلاء الأطفال أسماء مزيفة، وبعضهم كان يتم توزيعه على أسر ممتازة لينشؤا كأبناء لهذه الأسر المرتبطة بالسلطة، وكان يُشار لهؤلاء الأطفال بإسم حركي هو "أبناء هتلر"، وبعضهم عرف في سن متأخرة أبويه الحقيقيين، بينما عاش أغلبهم حياته دون أن يعرف إسم أبيه الحقيقي ولا إسم المرأة التي حملته في أحشائها.
وعندما اندلعت الحرب قرر النازيون نقل التجربة إلى البلاد التي خضعت لسلاحهم. وقام الـ "إس إس" بانشاء ما يقرب من ثلاثين مركزا لـ "ينبوع الحياة" في البلاد التي يحمل بعض سكانها الجينات الآرية، وفي بلدان أوروبا الشرقية والنرويج والدنمارك تم تجنيد نساء أو إجبارهن على الانخراط في البرنامج.
ولأن الحرب تفرض شروطها، تنازل القائمون على "ينبوع الحياة" عن عدد من اشتراطاتهم، فكانوا في بعض الأحيان يكتفون باختطاف الأطفال الذين يرونهم ملائمين للمشروع من البلدان المحتلة ويقومون بإرسالهم لمراكز التأهيل الخاصة بأبناء "الفوهرر". أما عن الأطفال الذين ولدوا من آباء الـ "إس إس" في البلاد المحتلة فكان عليهم أن يكبروا ليواجهوا العار مع أمهاتهم. فهم ليسوا فقط أبناء سفاح، بل أيضا أبناء للخيانة. لقد ضاجعت أمهاتم العدو!
وكان من الصعب التفرقة بين إمرأة فعلت ما فعلت بدافع الطمع وإمرأة أخرى أتت نفس الفعل لكن بدافع الفقر أو الخوف من البطش. فالرأي العام لا يهتم عادة بتلك التفاصيل المملة.
وفي 1945 إنهزمت ألمانيا ودخلت جيوش الحلفاء برلين واقتسموها بينهم بسهولة اقتسام الكعكة المحشوة بالكريمة، وانتصرت الدول الغربية المدافعة عن الحريات والديمقراطية، كما انتصر كذلك الاتحاد السوڨيتي المدافع عن حقوق الطبقات الفقيرة والمغلوبين على أمرهم.
ولا تذكر الأفلام الأمريكية العظيمة المبشرة بالحرية، ربما لعدم رغبتها في إثارة حفيظة الحليف السوڨيتي، أن جنود الجيش الأحمر قد قاموا بأكبر عملية اغتصاب جماعي في التاريخ لنساء ألمانيا المهزومة، فكان جنود البروليتاريا ينتظمون في صفوف منتظرين أدوارهم في مضاجعة بنات "الرايخ" الملقيات على ظهورهن في شوارع برلين.
وتذهب بعض التقديرات إلى أن إثنين مليون ألمانية من مختلف الأعمار قد تم اغتصابهن انتقاما لغزو رجالهن لروسيا الخاضعة للفسلفة الاجتماعية النبيلة.ولم يستطع رجال الـ "إس إس" الدفاع عن هؤلاء النساء، أو حتى تغطية أجسادهن المستباحة.
كانوا مشغولين بالهروب أو الاختفاء بعيدا عن أعين الغزاة. وتماما كرجال الـ "إس إس" لم يكن هؤلاء الغزاة بحاجة لكي يدفعوا للنساء أجورا أو أن يعرفوا حتى أسماءهن.
هذا ما فعله هتلر وعصابته بنساء بلاده. ولعله من حسن حظه أنه أنتحر قبل أن يقع في أيدي أعدائه، وإلا كانوا أجبروه على مشاهدة بنات بلده وهن يستقبلن على ظهورهن جينات جنود، كان بعضهم بالتأكيد من ذوي الشعور الداكنة والقامات القصيرة، وكثيرا من أبناء هؤلاء الجنود لا زالوا يعيشون في ألمانيا، لكنهم، تماما كأبناء ينبوع الحياة، لا يعتبرون أنفسهم أبناء لهتلر.
التعليقات