يدفعنا حب الحياة وغريزة البقاء نحو تحقيق أهدافنا أو إشباع رغبة داخل وجداننا، دعونا نتأمل معًا.. ماذا لو تعرضنا لمرض يجعلنا نعجز عن الحركة أو الكلام أو الإدراك للمحيط، أو يعرض بقاءنا أحياء للخطر، بالتأكيد سنسارع لإيجاد علاج كي نتعافى سريعًا، وقد يصل الأمر إلى الصراع مع المرض لنبقى أحياء.
هذا الشعور ـ اللعين ـ بعدم القدرة على فعل شيء، يفتح الباب ليتسلل من خلاله الإحباط إلى وجداننا، حتى نفقد الرغبة في التعامل مع بعضنا البعض.
ولا شك أننا حين نقاوم الإحساس بالإحباط، حتمًا يتغير حالنا وحياتنا إلى الأفضل، هذا بالضبط ما حدث لـ "سارة" أو "مدام سي جاي ووكر"، حين تعرضت لاضطرابات شديدة أصابت فروة رأسها، وتسبب هذا في فقدانها جزءًا كبيرًا من شعرها؛ كانت تعمل "منظفة ملابس" مقابل 1.50 دولار في اليوم الواحد، وهو ما يكفيها لإرسال ابنتها "إيليا" إلى المدرسة العامة في المدينة، فمنذ وفاة زوجها، انتقلت للعيش مع إخوتها في مدينة "سانت لويس" بولاية "ميزوري" الأمريكية.
جربت "سارة" علاجات شعبية كثيرة، لكنها لم تجد نفعًا؛ فابتكرت بنفسها تحت إشراف أحد الحكماء (طبيب) آنذاك.. تركيبة من المواد المطهرة التي كانت تتعامل بها مع بعض الزيوت ومادة الكبريت، وأضافت لها العطر لتحسين رائحتها، في محاولة لإيجاد علاج لتحسين حالتها.
وكانت المفاجأة؛ نما شعرها من جديد وبكثافة، وأصبحت "سارة" نفسها مثلًا دعائيًا لهذا العلاج. وعندما رأى جيرانها تلك النتيجة، سألوها عن المنتج الذي استخدمته لتصل لهذه النتيجة!
استغلت "سارة" النتيجة التي حققتها، وببعض المال الذي كانت تدخره؛ بدأت في تعليب المستحضر وأطلقت عليه اسم "مدام سي جي ووكر"، حيث تُنسب المرأة في المجتمعات الغربية لاسم الزوج، فكانت "سارة" قد تزوجت من زوجها الثاني "تشارلز جي ووكر"، الذي كان يعمل في مجال الإعلانات، وساعدها في الترويج لمنتجات العناية بالشعر.
بدأت "سارة" الترويج لمنتجها الجديد بين النساء الأمريكيات من أصل إفريقي، مستغلة حالة النمو الملحوظ في شعرها، وسافرت للعديد من المدن الأمريكية؛ تطرق أبواب المنازل وتخبر السيدات أنها على استعداد لعمل علاج لهن بالمجان إذا اشترين المنتج بعشرة سنتات فقط. فكان الأمر صفقة رابحة لجميع الأطراف.
سرعان ما بدأت "سارة" في توظيف نساء أمريكيات من أصول إفريقية، للعمل مندوبات مبيعات؛ لتخلق وعيًا أولا، وحتى يساعدنها في بيع منتجها من منزل إلى آخر ثانيا.
ازدهرت الأحوال مع "مدام ووكر"، وأسست مصنعًا ومعهدًا للعناية بجمال المرأة، كما أنشأت اتحادًا لتشجيع المرأة على الدخول في مجالات التجارة المختلفة. وكان لها نشاط اجتماعي لمحاربة العبودية في أمريكا. كانت تقول دومًا إنها إذا كانت أنجزت شيئًا في حياتها؛ فهذا نتيجة لامتلاكها روح الإصرار والإرادة والتفاني بالعمل.
أصبحت "مدام سي جي ووكر" أول سيدة مليونيرة من أصل إفريقي في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت.
قدمت لنا "مدام سي جي ووكر" دليلا عمليا على أن الأمل في إيجاد علاج للإصابة التي واجهتها بفروة الرأس رغم حالات الإحباط التي خيمت على حياتها منذ صغر سنها، كان حافزا قويا لإيجاد العلاج، وكانت النتيجة الطبيعة تحقيق إنجاز تاريخي، وبالتالي أصبحت مليونيرة خلال رحلت البحث عن علاج.
تعد "مدام سي جي ووكر" هي الابنة الخامسة لوالديها، والأولى التي ولدت حرة من أسر العبودية باسم "سارة بريدلوف" في 23 ديسمبر 1867م، بولاية "لويزيانا" في الولايات المتحدة الأمريكية. توفيت والدتها عندما كانت في السابعة من عمرها، كما توفي والدها بعد ذلك بعام واحد. وقد توفيت مدام "ووكر" عام 1919م، عن عمر يناهز 52 عامًا.
لكن الشيء الأهم، أن ندرك أن حالات الإحباط التي قد تواجهنا اثناء مسيرة الحياة، هي بمثابة نقطة انطلاق لنحولها إلى نجاح مطلق وحافز نحو تحقيق أحلامنا. فليس هناك سبب كى نستسلم لمثل تلك الحالة، فبعض من الصبر والجهد والعمل، نرتقى بالنفس والمجتمع على حد سواء، ولا نهدم القيم الإنسانية والطبيعة البشرية، ونكف عن الاستهتار بمعاني الكلمات التي تؤثر فينا سلبًا.
التعليقات