تفاقمت أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا من ناحية أخرى بشكل كبير خلال الأيام الماضية، الأمر الذي يحمل في طياته مزيداً من التصعيد، والخلافات بين الدول الثلاث، وهو الخلاف الذي لايجب أن يكون بين أبناء القارة الواحدة في ظل التحديات المستقبلية التي تواجه الجميع.
مصر تصف الموقف الإثيوبي بالتعنت الشديد.. السودان تطلب جلسة طارئة بمجلس الأمن بشأن القضية..مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة يعلن التأييد لمطالب مصر والسودان.. قبل كل ذلك التصريحات المتتالية للرئيس عبد الفتاح السيسي والتي تؤكد قدرة مصر على حماية مصالحها دون تفريط، تنسيق مصري سوداني على كافة المستويات..إنها مشاهد الأيام الماضية في ظل الأزمة.
بالتأكيد، لم يكن يتخيل أحد أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة، و ربما تصل لما هو أكثر من ذلك وفقاً للمعطيات الحالية، وسيطرت الأزمة على غالبية مجالس الحديث لدى العامة قبل السياسيين، ومن ثم حالة من الضبابية تحمله الفترة القادمة، خاصة في ظل فشل متواصل لإثناء إثيوبيا عن موقفها، ووقف الملء الثاني للسد، والرفض المصري السوداني بشأن اتخاذ إجراءات أحادية من قبل الجانب الإثيوبي.
وأصبحت حالة الانشقاق والخلافات تسيطر على المشهد، في ظل الامكانيات الهائلة داخل القارة الإفريقية، وبدلاً من إنشاء مثلث تنموي بين الدول الثلاث يقوم على أساس اقتصادي بحت، وأن تكون قضية المياه هي الجوهر وأساس البناء، كونها قضية مصيرية تحمل الخير للجميع، وجدنا التعنت الواضح والممنهج الذي لايحمل الحقيقية بقدر ما يحمل المغالطات والأكاذيب.
إن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم أجمع الآن، وليس دول القارة السمراء فقط، كفيلة بأن تخلق حالة من التكاتف والتعاون الاقتصادي والسياسي بين الجميع، وإذا كانت هناك مخططات تستهدف إقحام دول القارة في صراعات لن تنتهي ، ومن ثم الإستفادة من حالة الإنشقاق هذه لتحقيق مصالح لآخرين، فمن غير المقبول أن تظل بعض قيادات الدول أسيرة للأجندات، ولابد من تغليب المصلحة الوطنية، والمصلحة القارية أيضاً.
ونعلم جميعاً أن الاشتغال بالسياسة لم يعد قاصراً على الساسة فقط، أو المثقفين، أو النواب وكبار الكتاب وغيرهم من المتخصصين، بل أصبح الجميع يعرف ويتابع ويحلل ويدقق المشهد السياسي بكل براعة، فما بالك إذا كانت القضية الأساسية تتعلق بالحق في المياه، وهو الحق في الحياة، فهل هناك قضية تستحق الاهتمام والتقدير أكثر منها؟!.
ومصر طوال تاريخها لا تقف أمام أي تقدم أو نهضة في أي دولة أخرى، وليس لديها مطامع خارجية، ولم تكن يوماً ما دولة معتدية، أو طامحة، أو طامعة تجاه حقوق الغير، لكن الأمر هو صنع الله في أرضه، ورسالة ربانية بحتمية التعايش وتحقيق المنفعة العامة للجميع.
ويحزنني كثيراً ترك دوائر الاقتصاد الإفريقي شبه فارغة، إلا من القليل المفيد، ويزعجني أن تظل قضايا لايجب أن تكون محلاً للخلاف تطفو على المشهد، لتغرق قضايا مصيرية في القاع دون تمييز، أو تفكير، أو الاستماع لصوت العقل، ويقيني أن المشكلات الإفريقية لن تحل إلا بإرادة إفريقية وإدارة إفريقية تضع نصب أعينها مصالح القارة السمراء وأن تخطو باقتصادها المهمل نحو القمة وليس بأي وسيلة أخرى.
مصر وشعبها تمد اليد للجميع، ولم ولن ترغب يوماً في وضع العثرات على طريق الأزمة، أو مسار المفاوضات بشهادة العالم أجمع، لكننا كمصريين نقف خلف قيادتنا السياسية الرشيدة، وجيشنا المصري العظيم، وشرطتنا الباسلة، والدبلوماسية الحكيمة للحفاظ على الحق في الحياة، ونتمنى جميعاً أن يعود الجميع إلى رشده، للوصول بالأوطان إلى بر الأمان، فالتاريخ لن يرحم وعلى الله قصد السبيل.
التعليقات