وهناك الصامتون، الصابرون، الفاقدون انتعاش القلب والغائبون عن الحياة، المفتقرون للسعادة والمنطفئون دائما... باللهِ رفقا بهم.
تلك الأسطر القليلة كانت آخر ما كتبت على صفحتي الإلكترونية، لم أكن أنوى بكتابة قصة قصيرة كما تعودت، فاليوم أشعر بثقل في قلبى أصابنى منذ فترة وأظنه لا ينوى الرحيل.
عدة صفحات ليست بكثيرة كنت أتصفحها بكتاب للمؤلف "لويس ولبرت" بعنوان "الحزن الخبيث"، وما إن وصلت لجملة (أفضل تعبير عن الإكتئاب هو فقدان الروح، لما يستدعيه المرض من حزن وتعاسة، إذ يفرغ العقل والجسد من الروح التى يفقد المرء بفقدانها اهتمامه بأى شئ عن ذاته).
هنا أغلقت الكتاب وتذكرت كلمة (سرطان الروح) كلمة لفتت انتباهي للكاتبة غادة كريم، كيف للروح أن تتفشى فيها تلك الخلايا السرطانية اللعينة؟.. أن تسقط فى هاوية نوبات من التعاسة المفرطة.
لم أكن أذرف الدمع من عينى بل روحى هى التى كانت تذرفه وهذا أصعب بكثير، إن هذا الانطفاء المهلك من المحالة الاّ يُحدِث صدعًا بوجدان من مارسه باحترافية شديدة، هل جربت أن تمارس الانطفاء يوما ما؟
إننى أتشوق لطعم السعادة بمعانيها وحروفها الأبجدية فهل هناك رادع لفكرة فقدانها؟ هل من بديل؟..
إن البعض يمر من أمامى كمرور الكرام والبعض الآخر يترك شيئًا أو أثراً فى نفسى، وعلى الرغم من محاولات عدة منّى للإقلاع عن تلك العادة التى من الممكن أن تتسبب يوما ما فى تصلب شرايينى أو على الأقل يمكنها أن تصيبنى بالجنون، أخفقتُ و بشدة، وعلى هذا النحو يمكننى أن أروى قصتى القصيرة جدا الآن..
بائع الجرائد.. إنه العم الذى أبتاع منه بشكل شبه يومى جريدة الأهرام لأبي، أحيانا بل على الأغلب أرى وجهه متجهماً وكأنه أتى من العالم الاخر، بصباح يوم شديد الحرارة ما أن تركته وانتقلت بوجهى لأراها تجلس فى صمت ليس من عادتها إنها "عايدة" بائعة الخضار لا أتحدث عن شخصية من وحى خيال الكاتبة، إنها موجودة بالفعل.
ترقد والدتها بالمستشفى فى غيبوبة تامة كأنها فى انتظار أن تلقى حتفها، وانطفأت عايدة حزنا على والدتها كقرص الشمس حين يبهت تدريجيا ثم ينحدر بالأفق، لا اعلم لماذا أراقب آلآلام الآخرين؟ وأراها كموجات إكتئابية حادة، أراهم مثل مومياوات المتحف المصرى قد أكون على خطأ فمن الممكن أن يكون بائع الجرائد على خلاف مع زوجته أو أن أحد أبنائه رسب بإمتحانه المدرسي.
وليس من الضرورى أن تكون عايدة مكتئبة قد تكون حزينة فقط، فالفارق كبير بين من يحزن ومن يكتئب، إننى أرى الاكتئاب فى حد ذاته شخص غير سوى لا يتورع عن إرتكاب الآثام بحقى وحق الآخرين.. رباه ماذا عساني افعل معه؟ ربما بيوم ما نتعارك وليقتل أحدٌ مننا الأخر.
التعليقات