كتب على شفتيها وكفيها قصائد عشقه المجنون - - رسم أحلامه على رموش عينيها، وحين ارتوت من شفتيه قررت أن يكون هو رجلها الحقيقي المسكون دوما بالشوق والشغف، آمنت أن الحب لا يعرف السلطة ولا الأخلاق ولا الحلال من الحرام، ولكن كان إيمانها كفرا وعذابات.
في هذا السياق تأخذنا تلك الإيقاعات إلى الرواية المشاغبة أسيرة العشق، للمؤلف المتميز والإعلامي المثقف رضا سليمان، الكيان الإبداعي المثير للجدل، الذي يمتلك حضورا فنيا صاخبا يحرك موجات الوعي في قلب المشهد الثقافي ليلامس آفاق الدهشة عبر فكر متوهج وصياغات متفردة ولمسات ساحرة، بعثت وجودا وحشيا شرسا ينبض بحرارة التكشف وعمق التساؤلات، وهكذا تأتي رواية أسيرة العشق، الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع 2020-تأتي كوثيقة إبداعية تمثل لحظة فارقة في تاريخ مؤلفها، الحالة الفنية تشتبك مع أشرس قضايا المرأة الشرقية وعذابات استلابها واختزالها، والمعالجة لا تأتي أحادية المنظور لكنها تكتمل عبر الحضور الجدلي للرجال في حياة النساء.
إذا كانت هذه التجربة ترتكز بشكل أساسي على المفهوم الكلاسيكي من حيث السرد وتقنيات الكتابة ومفاهيم التصاعد والوحدة العضوية، فإن أسيرة العشق قد تباعدت في النهاية عن الأطر المرجعية الثابتة، واكتمل البناء الدرامي عبر التمرد على سلطة الواقع، والاتجاه العارم إلى إيقاعات الحس والمشاعر واندفاعات الجسد وخصوصية الذات وتفاصيل الحياة اليومية، وتظل الجماليات الشرسة هي الأكثر حضورا في قلب عالم روائي تتفجر فيه المعاني الأحادية، وتتحول إلي موجات من الفكر المشاغب، الذي ينتج فيضا من الدلالات الجدلية الثائرة، وفي هذا الإطار يشعر المتلقي مع المؤلف رضا سليمان بعذابات القبض على جمرات الفن النارية، حيث تروي أسيرة العشق عن المجتمع والأسرة والرجال والنساء، عن الرغبة والروح والجسد، وعن خلاعة الحقيقة واندفاعات السقوط، وتظل هدى – بطلة الرواية – هي الفكرة الماستر، التي فجرت كل هذا الجموح العبقري المدهش، ليتجاوز المؤلف كل التوقعات والتصورات، ويهدم المعايير المألوفة والقيم السائدة لنصبح أمام حالة إبداعية تعلن العصيان على القولبة والنمطية، وتأتي كنسيج فريد يكشف عن حرفية فنية تضم تاريخا من الفن والعشق والجمال.
إذا كان الفن هو لحظة استثنائية، ووجود افتراضي منظم، فإن جماليات الكتابة في رواية أسيرة العشق قد جمعت بين امرأتين تفصل بينهما عشرات السنوات، وتربطهما روح واحدة وعطر أخاذ وجمال لا فت وعشق مثير - - الأولى هي "أروى "طالبة الجامعة الجميلة، التي تعيش قصة حب ناعمة مع زميلها "شادي"، والثانية هي أمها "هدى "صاحبة الجمال الأخاذ التي قررت أن تروي لابنتها الشابة عن سر أسرار حياتها وعن تفاصيل علاقتها بزميلها كريم - - عن اندفاعها القدري إليه - - فهو السؤال والزلزال والثمار، الحوار والنار والزمان والمكان، العشق والتوحد، الرجل الذي يفتح للحب والرغبة ألف فكرة وحلم لمس يديها وعانق عينيها فأصبح عاشقا قديسا يمتلك السر والسحر والحياة.
أدركت هدي أن ابنتها تحب ، تأملتها وضمتها وتفجر البركان الخامد في أعماق الأم ، ظلت تبكي وترددت الكلمات بين شهيقها وزفيرها وهي تقول - - الحب ليس جريمة يا أروى - - الحب رسالة الله - - ، فانتفضت الصغيرة وعرفت أن هناك أمرا عظيما تخفيه أمها ، وعليها أن تعرفه الآن ، فهي تحب أمها بجنون ، عاشت معها حياة هادئة في ذلك المكان الأنيق بالقاهرة ، أبوها توفيق لم يترك أثرا في أعماقها ، فهو مسافر دوما إلى تلك الدولة في الخليج ، تزوجته هدى بعد تخرجها لتعيش تفاصيل الجحيم ، هو النموذج المثالي للرجل الشرقي الزائف المتسلط، فرضه عليها أبوها مؤكدا أنه الأنسب للزواج ، يمتلك الثروة والشقة وأشياء أخرى ، حاولت كثيرا ، تفر من هذا المصير فاتهموها بالجنون ، لم ينبض قلبها لتوفيق، خطبها وأهداها الذهب ومضى ، وحين رآها أبوها تدخل السينما مع حبيبها كريم ، اهتز الكون في عينيه وعاد إلى بيته ليموت - -، اتهمتها أمها أنها هي قاتلته ، كما اتهمها توفيق خطيبها من قبل أنها السبب في الحادث الذي ادعى أنه أفقده رجولته ، وهكذا انهارت أعماقها واستسلمت لما يدور حولها ، تزوجت توفيق في يوم خميس أسود ، وظل كريم في قلبها وعقلها وأعماقها ، سافرت مع زوجها وسأمت الحياة في وجوده ، وقررت أن تستقر مع أروى في مصر مع بداية التحاقها بالتعليم.
في ليلة زفافها سحبها توفيق إلي السرير ، حاول كثيرا لكنه فشل ، صفعها على وجهها ومضي ، وفي الليلة التالية شهقت من شدة الفزع حين جردها من ملابسها ، أمسك بساقيها وهي عارية وظل يلهث ويصرخ وفض بكارتها بإصبعه ، صراخها يشق فضاء الكون ، والدماء تلطخ الفراش الأبيض ، وهكذا تمضي الليالي ويأمرها زوجها أن تذهب معه إلى الطبيب ، أخذها إلي نفس المركز الذي زارته من قبل مع كريم ليشكو للطبيب من فرط رغبته ،نفس الطبيب الذي يكتب الأدوية لزوجها ليظل ينتفض كل ليلة فوق جسدها وينتهي بالعجز المخيف ، وهكذا تكررت زياراتهما للمركز وفي ذلك المساء رأت كريم مع شابة جميلة يجريان تحاليل ما قبل الزواج ، فكرت جيدا فيما قاله الطبيب عن عملية الحقن المجهرى وأخبرت زوجها بموافقتها ، رغم أن الممرضة التي تعاطفت معها أخبرتها أن نسبة نجاح العملية صفر، وأن زوجها مريض منذ سنوات صباه ، ويعلم جيدا أن عجزه لا علاج له ، وأن حادث السيارة ليس هو السبب.
هكذا قررت هدى أن تنتقم لنفسها من الجميع ، طلبت من الممرضة باسم الصداقة أن تستعيض عن عينة زوجها العقيمة بجزء من عينة حبيبها كريم - - ، فوافقت إشفاقا عيها ووعدتها أن تحتفظ بالسر إلى الأبد ، وفي ذلك الصباح تمت العملية ، وعاشت هدى أجمل إحساس وفي رحمها جزء من كريم ، اكتمل عبر الشهور وجاءت أروى.
كانت الابنة تنتفض وهي تسمع اعتراف أمها الأخير وهى تقول – أنت يا أروى ابنة كريم – ابنته الجينية ، لكن الشابة المعذبة كانت تتأرجح بين ألف معنى ومعنى ، وتهمس - - أنا ابنة كريم ؟؟
أدركت أروى سر قوة أمها حين رفض أبوها زواجها من شادي ، طلبت الطلاق وأخبرته أن أروى ليست ابنته ، فطلقها ومضت مع ابنتها ليبدءا الحياة من جديد.
أخيرا -- هل تغفر كل عذابات هدى خطيئتها الوجودية ؟ هل ستغفر لها ابنتها التي استلبت منها الذات والكيان ودفعتها إلي حافة الهاوية ؟ ؟ فنحن أمام واقع درامي مأساوي سقطت فيه هدى بإرادتها ، وعليها أن تواجه عقوبة سقطتها و وأتصور أن ابنتها أروى ستكون هي الجحيم الذي سيدفع هدى إلى جمرات الهوس المجنون.
التعليقات