هل هي مصادفة ان تتزامن سبعينية ثورة يوليو بطموحها العروبي ومشروعها لأمن المنطقة ونهضتها، مع قمة جدة للأمن والتنمية التي أكدت نفس المعنى ودشنت ما يمكن أن يسمى بعودة الروح للعمل العربي المشترك؟ أم أن الأقدار تذكرنا بمقولات متفق عليها في الضمير العربي محورها المصير الواحد والتحديات المشتركة؟ وهل هي مصادفة ان تكون الإجابة على التحديات واحدة رغم اختلاف الأنظمة والظروف، ففي زهوة المشروع العربي، روج الأمريكان في الخمسينات لفكرة تشكيل حلف بغداد، إلا أنه فشل فشلًا ذريعًا. واليوم أرادوا إنشاء حلف الناتو العربي أو الشرق أوسطي ليس لخدمة مصالحهم كما كان الحال في الخمسينات بل من أجل دمج إسرائيل بالمنطقة، وقد تم وأد الفكرة في مهدها أيضا، لأن الفكرتين من خارج سياق المنطقة ولا تلبيان احتياجاتها.
خلال 70 عام مضت شهدت المنطقة والعالم تقلبات كثيرة، وتغيرت نظم دولية عديدة ونضجت العقول لتفهم ان حقائق الجغرافيا والتاريخ لا تغيرها الأيديولوجيات ولا الاطماع الإقليمية او الدولية ولا حتى المخاوف القطرية المحدودة، فتجارب العقود الماضية كانت كافية لولوج حديث العقل لا العواطف عن أهمية التعاون العربي من منطلق المصالح والأمن والتنمية لشعوب المنطقة، ولـتأكيد أهمية العمل العربي المشترك. ولكشف زيف الاحلاف من خارج المنظومة العربية.
وفي هذه القمة والتي عقدت خلال الأيام القليلة الماضية في السعودية، بحضور دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن، والعراق، والولايات المتحدة الأمريكية، لمس المراقبون نهجا جديدا في التعاطي مع قضايا المنطقة يأخذ في اعتباره مصالح الشعوب العربية وقضاياها المصرية بعيدا عن فرض أجندات خارجية، فقد أكدت مصر، على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، على ثوابت مستقرة في الوعي العربي ومنها وحدة الأمن القومي العربي، باعتباره (كل لا يتجزأ، وأن ما يتوافر لدى الدول العربية من قدرات ذاتية بالتعاون مع شركائها، كفيل بتوفير الإطار المناسب للتصدي لأي مخاطر تحيق بعالمنا العربي) مذكرا العالم بالعلاقة التلازمية بين الانطلاق نحو المستقبل من ناحية ،وكيفية التعامل مع أزمات الماضي الممتدة من ناحية أخرى، قائلا أن (جهودنا المشتركة لحل أزمات المنطقة، سواء تلك التي حلت خلال العقد المنصرم، أو تلك المستمرة ما قبل ذلك، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الأولى، وهي القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية) و يتفق هذا الموقف مع رؤية السعودية التي عبر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مؤكدا ان (ازدهار المنطقة ورخاءها يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبادئ وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية) كما اكد القادة المشاركون في القمة على موقف تاريخي أخر يتعلق بالأمن الإقليمي وهو خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والحفاظ على المنطقة خالية من الإرهاب والمليشيات المسلحة..وهكذا اكدت القمة امتلاك الدول العربية للكثير من عناصر القوة، وان هناك فرص لـ"مساومات سياسية"، دون القبول أو الإذعان للمطالب الأمريكية على حساب الأمن والتنمية الحقيقيين لدول وشعوب المنطقة، بعبارة أدق لمس المتابعون نضوج العمل العربى المشترك وهوما عبر عنه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان،قائلا: (الدول العربية أصبحت تتعامل مع ملفاتها بنفسها، وتضع أجنداتها بنفسها.)
القمة أكدت أيضا حرص العرب على المساهمة الفعالة في مواجهة التحديات التي تحدق بالمنطقة والعالم، حيث جدد القادة عزمهم على تطوير التعاون والتكامل الإقليمي والمشاريع المشتركة بين دولهم بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتصدي الجماعي لتحديات المناخ.
كل ذلك يوضح ان ثمة تبلور لموقف عربي فاعل لكيفية التعامل مع التحديات في المنطقة، وخارجها وان التفاهم حول عدد من الأولويات الإقليمية لا يعني بالضرورة تبني الأهداف الأميركية او غيرها، وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل حقيقة ان هناك مشاريع إقليمية تحاول السيطرة على المنطقة:(المشروع الإسرائيلي، المشروع الإيراني والمشروع التركي) مما يدعونا أن نتساءل: أين المشروع العربي؟ وهل يمكن تكون هذه القمة بداية حقيقية لهذا المشروع؟
التعليقات