تُعد إيطاليا أحد أكثر بلدان العالم من حيث التراث المسجل في قوائم اليونسكو سواء التراث المادي أو غير المادي. ليس ذلك بغريب على إيطاليا كدولة عريقة تمتعت بحضارة وثقافة ساهمت في مسيرة تطور البشرية. عندما تُذكر إيطاليا تُذكر دائمًا المعابد الرومانية القديمة، والكنائس الكاثوليكية والكاتدرائيات الضخمة، والساحات العامة الجميلة، وتماثيل ولوحات عصر النهضة، والأدب والموسيقى وفن الأوبرا. لكن أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر إيطاليا هو الطعام الإيطالي. بالفعل، فإن المطبخ الإيطالي يتمتع بشعبية عالمية جارفة وخاصة في عالمنا العربي.
يبدو أن إيطاليا كعادتها لن تترك أي فرصة لتسجيل مطبخها الوطني على لائحة اليونسكو للتراث غير المادي. إن من يطلع على حياة الشعب الإيطالي يجد أن المطبخ الإيطالي ليس مجرد قائمة من أصناف الطعام الجميل الذي يحبه الصغير والكبير، أو كشكل من أشكال فنون الطهي المتوارثة، إن المطبخ الإيطالي بالنسبة لهم حياة وحالة ثقافية تعبر عن الهوية وتقاليد الأسرة داخل المجتمع الإيطالي. لذلك منذ الأسابيع الماضية بدأت إيطاليا في الاستعداد الجاد لإطلاق المبادرة الوطنية لتسجيل المطبخ الإيطالي في قائمة التراث غير المادي لدى منظمة اليونسكو.
أخذت إيطاليا خطوات جادة لدعم مشروعها الوطني. أصبحت البلديات في المدن الإيطالية تدعم مشروع الترشيح لليونسكو وتشارك على الأرض بفعاليات في الشوراع والساحات العامة شارك فيها عدد من الفنانين والسياسيين والرياضيين. بدأت وزارة الزراعة ووزارة الثقافة بتجهيز مؤتمرات محلية ودولية لدعم المشروع. بالإضافة لذلك أدارت وزارة الخارجية ملف الترشيح باحترافية حينما نظمت عدد من الفعاليات في سفاراتها حول العالم. كان الدعم السياسي الأكبر من خلال رئيسة الوزراء التي أكدت أن الطبخ الإيطالي يجب أن يتم الاعتراف به دوليًا.
لعلنا في العالم العربي بعد أن رأينا كيف تستغل إيطاليا المطبخ الإيطالي لتعزز مكانتها على الصعيد الثقافي والاقتصادي أن ندرك أن الوطن العربي يمتلك هو الآخر كنزًا كبيرًا ينبغي الاستفادة منه. إن المطبخ العربي مطبخ عريق يستحق مزيدًا من الاهتمام. تمتلك الدول العربية عددًا هائلًا من الأطباق التي لها شهرة واسعة كما في مصر والسعودية ولبنان والمغرب وغير ذلك الكثير. لماذا لا تعمل كل دولة عربية على إدراج أشهر أطباقها على قائمة اليونسكو للتراث غير المادي؟!
الأمر لا يتطلب سوى إعداد ملف رصين ومتقَن بشكل احترافي بمشاركة جادة من كل الوزارات والأجهزة المعنية التي يجب أن تعمل في تناغم للترويج للمشروع داخليًا وخارجيًا. إن الفائدة التي ستعُم على الدول العربية من هذا المشروع ستكون كبيرة جدًا. لقد صارت ثقافة الطعام تُشكل موردا اقتصاديا وثقافيا أساسيًا لعدد كبير من دول العالم. أصبحت سياحة الطعام رائجة حول العالم ولها روادها. ربما علينا أن نفكر في الأمر مليًا وندرس كل خطوات وتجارب مَن حولنا لنتعلم منها كيف نحسن إدارة تراثنا وكيف نقدمه إلى العالم.
بـاحث في التــاريخ والتـراث
التعليقات