في مساء الأول من نوفمبر وفي ليلية بهيجة احتفلت مصر وشاركها العالم المحب للسلام والحضارة الإنسانية بافتتاح المتحف المصري الكبير بالقرب من أهرامات الجيزة العريقة. كانت القلوب تتطلع إلى مشاهدة ذلك الحدث الملحمي، وتتابع بشغف كل فقرات العروض الاحتفالية المبهرة. تحولت الساحة المحيطة بالمتحف الجديد إلى مهرجان عالمي من الفنون السمعية والبصرية المتنوعة بجوار المسلة المعلقة الشامخة. تحولت جدران المتحف المصري الكبير من الخارج إلى شاشات عرض عملاقة تتألق بعرض مجموعة متنوعة من الصور والأشكال والألوان. وتحولت السماء فوق المتحف إلى لوحة فنية مضيئة ترسم عليها الطائرات المسيرة رموز خالدة من الحضارة المصرية العظيمة مثل الأهرامات وكرسي الملك توت عنخ آمون وتابوته وقناعه ومراكب الملك خوفو وغير ذلك من منجزات المصري القديم، فضلًا عن عروض الأضواء الساطعة والألعاب النارية.
لقد ركز الاحتفال على موضوعات مختلفة تعبر عن الهوية المصرية في كل العصور. استطاع الحفل أن يمزج من خلال العروض الفنية بين الفنون الحديثة وبين الفنون التراثية، كما امتزجت اللغات الحية كالعربية والإنجليزية والإيطالية باللغات القديمة كالقبطية والنوبية والمصرية القديمة. وحينما جاءت اللحظة الحاسمة التي ينتظرها العالم وهي الإعلان الرسمي عن افتتاح المتحف راح الخيال يسرح فيما سيُعرض على الشاشات من لمحات من داخل قاعات المتحف التي لم يدخلها أحد من قبل خلال فترة التشغيل التجريبي. عرضت الكاميرات لقطات من قاعات العرض وهي تُضاء واحدة تلو الأخرى لنشاهد ملامح من المقتنيات المعروضة وخاصة القاعة الخاصة بالملك توت عنخ أمون بطل قصة المتحف المصري الكبير.
أخيرًا سيتمكن الزائر من تجاوز البهو الكبير الذي يقف به تمثال الملك رمسيس الثاني الجرانيتي الضخم، وسينطلق لما هو أبعد من الدرج العظيم بتماثيله التي تزن عشرات الأطنان. يستطيع الزائر من شتى بقاع الأرض أن يتجول بين قاعات العرض المختلفة، ويستمتع بمشاهدة كل محتويات مقبرة الملك الشاب توت عنخ أمون التي تتجاوز خمسة ألاف قطعة بعدما كان يُعرض قرابة نصفها في المتحف المصري بالتحرير. أعتقد أن ذلك المتحف الجديد سيكون فرصة عظيمة لتقديم رسالة حضارية وثقافية من قلب العالم العربي. تستطيع مصر من خلال ذلك المتحف الذي يعد درة المتاحف في العالم أن تحقق طفرة في السياحة الثقافية عن طريق حسن استخدام وإدارة ذلك الصرح الحضاري الكبير ليصبح مؤسسة متكاملة ثقافيًا واقتصاديًا وبيئيًا تراعي أهداف الاستدامة وتنشر الثقافة محليًا ودوليًا.
بـاحث في التــاريخ والتـراث
التعليقات