عزيزي /عزيزتي الروح المتعبة،
أتيت إليك من زمنٍ كانت فيه القلوب تفهم قبل أن تُفسّر، وكانت الأرواح تتحاور بلغة الصمت الشجي قبل أن تضج الدنيا بضوضاء الكلمات الجوفاء.
من زمنٍ كانت فيه النظرات رسائل محبوكة بخيوط من نور، يقرؤها الفؤاد بصبر العاشق الصوفي، ويفك طلاسمها بحكمة العارف. زمنٌ كان الصمت فيه أفصح من البيان، وأصدق من المنطق، وأبلغ من جميع المعاجم والقواميس.
قد لا تعرفني اليوم، لكن اسمي محفورٌ في تلافيف روحك بخط الأزل، وصوتي يتردد في أعماق كيانك كصدى لحن قديم لم تنسه الذاكرة رغم مرور السنين. ستشعر بي حين يخفت صخب العالم، وتهدأ عاصفة الأيام، وتجلس مع نفسك في خلوة المتأملين.
في تلك اللحظة المقدسة، حين تسكن الريح ويصمت الضجيج، وتتوقف عقارب الساعات عن دقاتها المتسارعة، ستدرك أن بعض الغياب لم يكن عبثاً، بل كان حكمة مكتوبة بحبر الضرورة على صفحات القدر.
سأكون هناك في تلك الذكريات التي تتسلل إلى قلبك كنسيم الفجر، في تلك الأشواق التي تنتابك فجأة دون سبب ظاهر، في ذلك الحنين الذي يعتصر فؤادك حين تمر بمكان مألوف أو تسمع نغمة عتيقة أو تشم عطراً مخزوناً في ذاكرة الحواس.
أنا صوت الزمن الجميل الذي يهمس في أذنك أن الحب الحقيقي لا يموت، بل يتخذ أشكالاً جديدة، ويتجلى في صور مختلفة. أنا الذي أذكرك بأن الفراق أحياناً يكون أجمل من اللقاء، وأن الذكرى قد تكون أصدق من الحاضر، وأن الصمت أحياناً يحتوي على كل ما لم نقله ولم نستطع أن نقوله.
سأبقى معك في كل مساء تتأمل فيه النجوم وتتساءل عن معنى الوجود، في كل فجر تستيقظ فيه وتشعر بأن هناك شيئاً جميلاً ينتظرك رغم ثقل الأيام، في كل لحظة تدرك فيها أن الحياة - رغم قسوتها - تحمل في طياتها سراً إلهياً لا يدركه إلا أصحاب القلوب الصافية.
لا تحزن على ما فات، ولا تقلق مما هو آت. فأنا هنا، في هذا الزمن المعلق بين الذاكرة والأمل، أحرس أحلامك وأحافظ على جمال روحك من عبث الأيام وقسوة الناس.
بكل الحب الذي لا يعرف الفناء،
صديقك الأزلي،
من زمن القلوب الطاهرة
التعليقات