غالبًا ما تتداخل مسارات الوجود البشري، فيتيه العقل بين بوصلة الأخلاق الثابتة، وأمواج المشاعر الهائجة. يُخيّل للكثيرين أن معادلة التعامل مع الآخرين بسيطة:
الحب يبرّر الإحسان، والكراهية تُسوّغ الجفاء. لكن هذا الفهم سطحي لا يلامس العمق الفلسفي للإنسانية. إن حسن الخلق ليس شهادة حب، ولا سوء الخلق دليل بغض؛ بل هو إقرار بفصل تام بين ما يُمليه الوجدان، وما يفرضه الوعي.
إن الأخلاق ليست صدى للعاطفة، بل هي انعكاس لنور الضمير الذي لا يعرف المحاباة. قد تسكنك مشاعر النفور أو البغض تجاه شخص ما، لكن حقيقة وجودك ككائن أخلاقي تُلزمك بالعدل والإنصاف. فضميرك هو حارسك الأمين، يمنعك من إلحاق الأذى، ليس حبًا في الآخر، بل وفاءً لمبدأ سامٍ. إن الخيانة الحقيقية ليست في الشعور بالكره، بل في إجازة هذا الشعور ليكون سببًا في خرق المبادئ.
تأمل معي الطبيعة المتقلبة للمشاعر. إنها كالفصول، تتبدل بين صيف الشغف وشتاء الفتور. فلو أُسست الأخلاق على هذا الرمل المتحرك، لكان سلوك الإنسان رهنًا لتقلبات مزاجه. وهذا منتهى الوهن.
إن جوهر الإنسانية يكمن في قدرة الفرد على تجاوز عواطفه، والتحلي بالسلوك المستقيم حتى في أشد لحظات اضطراب القلب.
والقيمة الحقيقية لا تكمن في أن تُعامِل من تحب بلطف؛ فهذا انسياب طبيعي لا يحتاج إلى جهد. القيمة الحقيقية تظهر في قدرتك على إبقاء جسور الاحترام قائمة حتى في لحظات الخصام، وفي إحسانك إلى من لا تطيق وجوده.
الأخلاق في جوهرها ليست انعكاسًا لما نحمله من مشاعر تجاه الآخر، بل هي انعكاس لحب الذات، واحترام المبدأ، وإدراك عميق بأن الإنسانية هي عهد مقدس لا يجوز أن تلوثه العواطف العابرة.
التعليقات