عندما يقرر أحدهم الزواج فإنه يتخذ شريكا لحياته. والشريك يعنى أنهما سيتقاسمان كل ما تحمله لهما الأيام لا رغيف الخبز وحده. الشريك يعنى النصف الآخر؛ المكمل؛ من تكتمل معه التفاصيل.يتقاسمان الفرح والحزن، حلو الأيام ومرها، الصحة والمرض والفقر والكثير من مفردات الحياة ومتناقضاتها.
لكن كثيرا ما تخفت أضواء الفرح وبهجة اللحظات الأولى لتجد المرأة نفسها تنظر لمن ظنته شريكا فتكتشف أنه أصبح شرَكَا وقعت في براثنه وسقطت في فخ لم تحسب حسابه من قبل. يسقط قناع الحب ويحنث بوعود الرعاية والصيانة. تتراجع أمواج الكلام المعسول وتكشف عن شاطيء صخري يدمي النفوس قبل الأقدام.
استيقظنا على حادث مروع بسقوط أم شابة من الطابق السابع في الغربة وحدها دون رفيق أو حبيب. من ظنت أنه شريكها وسندها وغادرت بلادها وتركت أمها وأهلها وبلدها وعالمها ليكون هو كل ما سبق تحول إلى سجان ثم إلى من يسلبها حياتها. تلك الفتاة الرقيقة الحالمة سقطت في شرك نصبه لها شريكها المزعوم ومن ارتضته أبا لأولادها. تحملت أذاه حفاظا على طفلها من التشرد. تناست نفسها لتبقيه محميا لكن الآخر استمر في التنكيل الممنهج حتى غدر بها.
تطالعنا مذكراتها لتكشف لنا عن مأساة صامتة تحملتها الأم الشابة حفاظا على أطفالها. الزوج المتعلم المثقف الذي يشهد لها كل من هو خارج أسوار بيته بالكفاءة والنباهة كان يمارس أبشع أنواع الاستغلال الذكوري البغيض. منعها من زيارة أهلها ورؤية أصدقائها. أجبرها على ترك العمل بل وقام بكسر أدواتها وحاسوبها ليقطع عنها أى تواصل مع الآخرين رغم أنها كانت تعمل من بيتها. حقها الشرعي في مالها وذمتها المالية المستقلة التي كفلها لها الشرع حرمها منه دون وجه حق بل تجبرا وعدوانا.
"إجباري" و"عدم موافقة" و"عدم سماح" و"إرغامي" كلها كلمات قاسية بثت بها المغدورة همومها في أوراقها فهي الوحيدة التي سلمت من بطشه. أي حياة وأي معيشة تمنعها حتى من ممارسة هواياتها كأبسط حق إنساني ناهيك عن الإيذاء الجسدي والضرب والعدوان الذي انتهى بكارثة موتها.
شرك ومصيدة وقعت فيه مثلها مثل كثيرات غيرها مازلن يرزحن تحت بطش تسلط زوج أو مجتمع أو أعراف لم ينزل الله بها من سلطان. (رفقا بالقوارير) وصية رسول الله ذهبت أدراج الرياح رغم رفع شعارات القوامة المدعاة تبريرا للعدوان. في ليلة يكون جالسا مصطنعا الرزانة وحسن الخلق خاطبا ودها من أهلها وبين عشية وضحاها بعد أن يحصل على مبتغاه وتصبح ملكه ينقلب على نفس الأهل الذين ألح عليهم ليزوجوه ابنته في الأمس القريب!
علامات إنذار لا يجب تخطيها عزيزتى المرأة الصبورة. عندما تبدأ الحواجز في الظهور فلا يمكنك مشاركة شريكك ضحكاتك ولا حكاياتك فلابد من وقفة. في اللحظة التي تشعرين فيها أنك لم تعودي تتعاملين بأريحية في وجوده ويتحول صوت مفاتيحه لقيد يلتف حول عنقك فاعلمي عزيزتي أن ثمة خطب ما. سعادتك وراحتك الطبيعية يجب أن تكون في جواره لا بعيدا عنه فهذه علامة غير صحية وتنذر بمرض عضال بدأ في التفشي في بيتك. عندما تجلسان فلا تتحدثان وإن تحدثتِ لا تجدين منه إلا سخرية وتقليلا من شأنك فانتبهي. عندما يتم حرمانك من أبسط حقوقك الإنسانية في أكل ما تحبين ورؤية أهلك فاحذري! الاعتداء اللفظي أو الجسدي مرفوض مرفوض.
وتطالعنا قصة مأساوية أخرى لفتاة ظلت مقيدة لست سنوات في بيت عمها! ست سنوات ترزح في أغلال عنف وتسلط. لسنا في مجال محاسبة أو اصدار أحكام على سبب لجوئهم لذلك فالخطأ خطأ وما فعلوه بها جريمة في حد ذاتها لا لشيء إلا لأنها الأضعف وهم الأقوى.
قالها سيدنا عمر بن الخطاب: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). عزيزي الرجل سواء كنت أخا أم زوجا رفقا بقوارير تزين بيوتكم وهن مصدر البهجة والحب والرعاية. نعم هلل الناس قديما متباهين بأن فلانا قد دخل القفص الذهبي. تندروا بلفظة "قفص" ولكنه يبقى قفصا مقيدا محدودا به قضبان وأسياج وإن كانت من الذهب!
التعليقات