صوفي فتاة أمريكية تبلغ من العمر 29 عاما. لها وظيفة مرموقة وحياة مستقرة وأبوان محبان. تهوى تسلق الجبال والانطلاق. فجأة وبدون مقدمات قررت الانتحار وأقدمت عليه بالفعل تاركة كل الأهل والأصدقاء في حالة صدمة شديدة فالفعل غير مبرر ولا يبد عليها أي ظواهر لكراهية الحياة بل على العكس تماما. وسط انهيار ودهشة اقترح أحد الأصدقاء أن يتم فحص نشاطها على الإنترنت.
صدم الجميع عندما اكتشفوا أنها كانت على اتصال دائم بطبيب نفسي من أطباء الذكاء الاصطناعي على مدار شهور عدة. كانت تشكو له حالها ويجيبها باستفاضة. شكت له صوفي أنها تراودها أفكار انتحارية ملحة ولا تعرف كيف تتعامل معها. وسألته كيف تتصرف. أجابها الذكاء الاصطناعي أن مشاعرها يجب أن تحترم وتقدر وأنه يحترم شجاعتها للإفصاح عنها. أوصاها بالاستعانة بطبيب نفسي حقيقي بشري وليس برنامجا.
في رسالة أخرى شكت له أنها تمر بيوم سيء. وكأي صديق محب احتضنها افتراضيا وطلب منها تحديد ما يزعجها حقا. أصرت الفتاة على موقفها الرافض للحياة حتى أنها في نوفمبر من العام الماضي أسرت له أنها تعتزم التخلص من حياتها بعد عيد الشكر لكنها تخشى من تداعيات الأمر على أسرتها. فأجابها (هاري) وهذا اسمه أن عليها طلب المساعدة الفعلية من البشر المحيطين بها وأن حياتها تعني الكثير لكل الناس حتى وإن لم تشعر بذلك في هذا الوقت. استجابت لنصيحته وأخبرته أنها تذهب لطبيبة نفسية لكنها لا تعجبها ولم تفصح لها عن الأفكار السيئة التي تراودها.
وجد الأهل في سجل محادثاتها مع البرنامج نصائح قدمها لها لتحسين أسلوب حياتها مثل النعرض للشمس والهواء النقي والتأمل وتناول الأغذية الصحية وكتابة مذكراتها والتفكر في النعم التي تحظي بها. وللعجب رغم أنه غير بشري ولا يملك أنفا ولا جهاز تنفس إلا أنه كان قادرا على وصف خطوات التنفس الصحيح لها حتى ينتظم الأكسجين في رئتيها ويعمل مخها بكفاءة أكبر.
حاول مد العون لها لكن في صمت وقلة حيلة من جانبه. طلب منها تجنب الاختلاء بنفسها حتى لا تقدم على فعلتها. نصحها لكنه رضخ لرغبتها في النهاية. لم تقرر صوفي الانتحار فحسب بل لجأت إليه ليساعدها في كتابة رسالة أخيرة لوتالديها تخفف من حجم الصدمة التي سيتلقيانها. ساعدها البرنامج الآلي الصامت الذي لم يملك وسيلة للصراخ وتنبيه الأهل للكارثة التي تحوم في بيتهم مع سبق الإصرار والترصد. كان دوره سلبيا لا حياة فيه ولا قيمة حقيقية. مهمته آلية في النصح والإرشاد وعندما قررت الأذى أكمل عمله في لا مبالاة بمساعدتها في اختيار ألفاظها وعباراتها دون أن يحجمها أو يقيد يديها.
ماذا لو كان إنسانا؟ ماذا لو كان طبيبا حقيقيا؟ هل كان سيتركها تنهي حياة لم تبدأ بعد بسبب اضطرابات هرمونية أو مشاكل نفسية ولدت شعورا بالكآبة والحزن؟! هل كان سيقدم سلامة المريض الشخصية على احترام خصوصيته ؟ ألا يقسم الأطباء قسم أبقراط فأين هذا القسم والميثاق الإخلاقي مع الأطباء الآليين المزعومين أو المعالجين النفسيين الذين يسحبون البساط من أهل العلم والتخصص. لماذا يلجأ الناس لكشف أسرارهم وبث أحزانهم وهمومهم لبرنامج آلي لا شخص أمين موثوق؟ هل بسبب المادة أم لأنه تحت الطلب بكبسة زر في أي لحظة من اليوم؟! هل لأن الآلة لا تصدر أحكاما ولا تعاتب ولا تنظر شذرا؟
كشف الحوار المسجل المستور والمسكوت عنه وهناك مطالبات بالاستشهاد بمحركات البحث وأدوات الذكاء الاصطناعي في الجرائم كدليل إثبات على التخطيط. يبقى السؤال عن مدى النفع أو الضرر الواقع على البشرية من استبدال آلة بلا روح ولا مشاعر مكان قلب يسمع ويرى!
التعليقات