لن نفعل؛ ستفعلون. لن نفعل؛ ستفعلون. لن نفعل؛ ستفعلون.
يقف العالم متأهبًا منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية. العديد من القرارات خرجت دفعة واحدة بمجرد وصوله، مما يوحي بخطة أمريكية جديدة يستلزم تحقيقها السير على نهج ثابت بخطوات متزنة. فعلى خلاف السياسة الأمريكية التي عهدناها من دبلوماسية كلاسيكية، استيقظنا على سياسة أمريكية جديدة يملؤها التهديد والوعيد.
خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقرارات نهائية في قضايا عالمية تستوجب موافقة الأطراف المنازعة الأخرى، وكأنه يقرر تحريك أماكن قطع الشطرنج في اللعبة خاصته، باعتبار موافقة جميع الأطراف، أو باعتبار عدم امتلاكهم حق الرفض.
وهذه القرارات لم تكن غريبة تمامًا، فهي كانت بالفعل رغبات أمريكية دفينة، لكننا فوجئنا بهذا الوضوح الفج في المطالبة بتنفيذها.
صرح ترامب علنًا برغبته في ضم كندا لتصبح الولاية رقم 51 للولايات المتحدة الأمريكية، مبررًا ذلك بأن كندا ما كانت لتستمر دولة قائمة دون الدعم الأمريكي. وعندما رفضت كندا ذلك رسميًا عبر سفيرتها في واشنطن، رد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25 بالمئة على كندا.
لم تقف طموحاته عند هذا الحد، إذ أعلن عن رغبته في ضم خليج المكسيك وقناة بنما وجزيرة جرينلاند تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية. كما قرر تغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أمريكا". وردّت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم برفض هذه التصريحات ووصفتها بـ"الجرف القاري الأمريكي"، لكن الرد الأمريكي جاء بفرض رسوم جمركية إضافية مماثلة لما فرض على كندا.
أما عن قناة بنما، فلطالما رغبت أمريكا في السيطرة عليها؛ حيث شجعت على استقلال دولة بنما عن كولومبيا فقط من أجل اكتساب المزيد من الصلاحيات للسيطرة على هذا المجرى المائي. استمرت قضية القناة معلقة بسيطرة أمريكية لسنوات طوال. وبعد العديد من الانتفاضات التي مارسها الشعب البنمي لتأميم قناته، وخاصة بعد تأميم مصر لقناة السويس، تم عقد معاهدة بين الرئيس الأمريكي والرئيس البنمي في عام 1999، والتي قضت بنقل السيطرة على القناة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بنما، مع الاحتفاظ بحق أمريكا في التدخل للدفاع عن القناة ضد أي محاولة انتهاك لحيادية الملاحة بها. والآن، وبعد مرور ربع قرن من توقيع المعاهدة، أعلن ترامب عن نيته في الإخلال ببنودها بسبب مخاوف من زيادة نفوذ الصين في المنطقة.
ولم تقف تلك المخاوف عند قناة بنما فقط، بل وصلت إلى جزيرة جرينلاند بسبب احتمال وضع الصين لموارد على الجزيرة، مما يهدد الأمن الأمريكي طبقًا لما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي، مؤكدًا أن تجديد الطلب لشراء جزيرة جرينلاند ليس مجرد مزحة. ولذلك لجأ ترامب إلى الأسلوب العقابي نفسه، فأعلن عن فرض رسوم جمركية إضافية على الصين بنسبة 10 بالمئة.
ولم تسلم المنطقة العربية من قرارات ترامب التعسفية، حيث قرر نقل سكان غزة إلى مصر وسكان الضفة الغربية إلى الأردن؛ رغبة منه في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بنصر إسرائيلي مدعوم. ولكن هذا القرار قوبل برفض قاطع من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني بن الحسين. صرح الأول بأن رفضه لتهجير الفلسطينيين ليس رفضًا لاستقبالهم في مصر، بل هو رفض لخروجهم من أرضهم بلا عودة، وإن كان هناك وعد بذلك.
عاشت مصر حاضنة لكافة الجنسيات العربية، يعيش على أرضها الفلسطيني والسوري والسوداني واليمني واللبناني وغيرهم إخوة أشقاء أصحاب بيوت، وليسوا ضيوفًا يسكنون خيامًا على الحدود.
ولكن المسألة هنا مسألة مبدأ، مسألة مصير أمة؛ فإن ترك الشعب الفلسطيني أرضه فلن يعود إليها أبدًا، وبهذا سيتم تصفية القضية الفلسطينية من الوجود بلا حاجة إلى اللجوء إلى صفقة قرن أخرى. وهذا ما لن تسمح به القيادات العربية المعنية في القرار التعسفي؛ القيادة المصرية والقيادة الأردنية.
ولكن هذا الرفض الحاسم لاقى إصرارًا كبيرًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قراره، مؤكدًا أن طلبه سينفذ. ولكن بكل يقين وإيمان نستطيع أن نقول: إن تكرر الطلب لمائة مرة فلن يلاقي إلا الرفض مهما صعبت الضغوطات؛ فالشعب الذي انتصر في حربه صائمًا سيصمد إلى الأبد بإذن الله.
التعليقات