أُحَيْحة بن الجُلَاح الأَوْسِي، وكنيته أبو عَمرو (ت نحو 130 ق. هج / 497 م) شاعرٌ عربيٌّ جاهليٌّ قديم، من دُهاة العرب وشُجعانهم، ومن سادة الأَوْس.
ورد ذكره في موسوعة الأعلام لخير الدين الزركلي فأكَّد أنه توفي نحو 497 م (نحو 130 ق. هج) – وهو ما تؤكده الموسوعة العربية أيضا - وأنه سيد يثرب (المدينة) وكان له حصن فيها سماه "المستظل"، وحصن في ظاهرها سماه "الضحيان" ومزارع وبساتين ومال وفير. وقال البغدادي كان سيد الأوس في الجاهلية.
وكان مرابيًا كثير المال. أما شعره فالباقي منه قليل جيد.
أما الباحث السعودي د. حسن محمد باجودة، فهو يذكر في كتابه عن هذا الشاعر أنه عاش – قبل الهجرة النبوية - في الفترة ما بين (464 – 561 م) حيث اهتم بجمع أشعاره وتحقيقها ودراستها، وقام نادى الطائف الأدبي بالمملكة العربية السعودية، بإصدارها في كتاب احتوى على 92 صفحة.
ومن خلال نظرتنا إلى عدد صفحات الكتاب يتضح أن القصائد أو الأشعار التي وصلت إلينا من هذا الشاعر قليلة نسبيًّا، أو أن عدد أبيات قصيدته الواحدة أو غرضه الشعري الواحد قليل نسبيًّا.
لذا كنتُ انتظر من د. باجودة أن يحدثنا عن هذه الظاهرة في شعر أُحيحة حيث إن أطول قصيدة وصلتنا منه بلغ عدد أبياتها أربعةً وعشرين بيتًا فقط، وهي التي يقول في مطلعها:
صحوت عن الصبا والدهر غولُ ** ونفسُ المرءِ آمنة قتولُ
ولو أني أشاء نعمت حالا ** وباكرني صبوحٌ أو نشيل
كما أن هناك العديد من الأبيات المفردة أو المنفردة التي نُسبت إلى أُحيحة أوردها الباحث مثل:
يا بنيّ التخوم لا تظلموها ** إن ظلم التخوم ذو عقال
هذه الأبيات ومثلها متناثرة في بطون المراجع والمصادر والكتب التي رجع إليها الباحث في بحثه هذا، والتي بلغت 35 مرجعًا ومصدرًا أغلبها من أمهات المراجع والمصادر العربية.
عمومًا إذا كانت كل القصائد والأبيات التي أوردها الباحث في كتابه هذا هي مجمل إنتاج الشاعر أحيحة بن الجلاح، فإننا سوف نكون بصدد ظاهرة شعرية يجب دراستها بعناية في الشعر الجاهلي، وهي طول القصيدة المعترف بها فنيًّا ونقديًّا، خاصة وأن هناك بعض النقاد القدامى قد حدَّد سبعة أو ستة أبيات كحد أدنى لما يمكن أن يطلق عليه قصيدة، هذه واحدة، أما الثانية فهي: هل الشاعر الجاهلي كان يكتفي ببيت واحد أو بيتين للتعبير عن حالته، أو للحديث عن غرض من أغراض الشعر العربي المعروفة في ذلك الوقت؟
فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فإننا نكون إزاء حالة شعرية جاهلية جديدة، وإذا كانت الإجابة بالنفي فإنه بالتأكيد سيكون هناك الكثير المفقود من أعمال هذا الشاعر الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن.
هذه النقطة لم يشر إليها د. باجودة في بحثه هذا، وهي عموماً نقطة فنية أو جمالية لا نحاسب الباحث عليها، لأنه في بحثه هذا لم يتطرق إلى الأسلوب الفني في شعر الشاعر، وإنما اكتفى بالحديث عن نسب أُحيحة وحياته، فقد كان سيد الأوس في الجاهلية، ثم تحدث عن شخصيته وبيئته من خلال شعره، وكان ذلك تحت العناوين التالية: بخل وشح – نظرة مادية بحتة – روح عسكرية – شخصية قوية – اندفاع وطيش – تجربة وحنكة – الرثاء – بيئة زراعية خصبة – المجتمع اليثربي.
ثم كان القسم الثاني من الكتاب، وهو ديوان أحيحة الذي وقع في خمس وعشرين صفحة مع شرح بعض الكلمات وتفسيرها وتباينها في عدد من المراجع والمصادر.
عموماً لا نملك إلا أن نشكر د. حسن محمد باجودة على غوصه في التراث الشعري الجاهلي دراسة وجمعًا وتحقيقًا، ليقدم لنا شاعرًا غير معروف لدى الكثيرين منا.
وعموما – وكما قالت الموسوعة العربية – إن شعر أحيحة سهل مستساغ، وإِن كان لا ينفرد فيه بميزة فنية خاصة, إِلاّ في أبيات قليلة, وهو لا يخلو من عبرة أو حكمة, وهو في شعره سيئ الظن بالحياة التي تغتال أبناءها.
من شعره قوله (من بحر المنسرح):
يَشتاقُ قلبي إلى مُلَيكَةَ لو ** أمسَتْ قَريبًا ممَّن يُطالِبُها
ما أحسَنَ الجِيْدَ مِن مُلَيكَةَ وَالـ ** لَبَّاتِ، إِذْ زانَها تَرائِبُها
يا لَيتَنِي لَيلَةَ إذ هَجَعَ الـنْـ ** ـناسُ ونامَ الكِلابُ، صاحِبُها
في لَيلَةٍ لا نَرى بها أحَدًا ** يَحْكِي عَلَينا إلَّا كَواكِبُها
فما تُرجِّي النُّفُوسُ مِن طلَبِ الـ ** ـخَيْرِ، وحُبُّ الحَياةِ كاذِبُها
ولتَبْكِنِي ناقةٌ إِذا رُحِلَت ** وغابَ في سَرْبَخٍ مَناكِبُها
ولتَبْكِني عُصْبةٌ إذا اجْتَمَعَتْ ** لم يَعْلَمِ النَّاسُ ما عَواقِبُه
التعليقات