من أهم القواعد التي تؤكدها دراسة التاريخ أن الخالد اسمه ليس بالضرورة أن يكون الأعظم على الإطلاق؛ حيث يمكن أن يُخلد إنسان لاقتران اسمه بوقائع وأحداث مهمة في التاريخ وهذا من تدبير الله سبحانه وتعالى؛ فماذا عن الأعظم على الإطلاق الذي اقترن اسمه بأحد أهم وأشهر وقائع تاريخ مصر الحديث؟!
منذ زمن ونحن تخلصنا من الفكر القديمة حول الخير المطلق والشر المطلق، فلا وجود لمثل ذلك الجمود في الصفات البشرية، فكل إنسان يملك بداخله الصفة ونقيضها ولكن بنسب مختلفة؛ فلو كان الله قد خلق كل إنسان بصفات ثابتة لما أُمرنا بجهاد النفس؛ فإن كان الكذب عليه محتوما كيف يصبح صادقا؟! ... وبهذا أصبحنا نؤمن، وهكذا أصبح الحكم والتقييم أكثر رحمة وإنصافا.
تقييم الإنسان يبدأ من المجال الذي اختاره للتخصص فيه؛ فإن كان طبيبا ورأيته غير مُلم بتاريخ بلده ستنخفض مكانته في نظرك، ولكن ما الحال إن كان طبيبا غير مُلم بأمور الطب؟ هنا يصبح مجرما لأنه وبالتأكيد قد نجح في التخرج من كليته غشا، وقبل على نفسه أن يحلف يمينه وأن يتقلد وسام الطب وإنقاذ الأرواح على كتفه متباهيا وهو يدرك أنه سيهدر تلك الأرواح، ولذلك إذا أردنا تقييم رجل عسكري فلابد أولا من تقييمه كعسكري، وفي حالتنا هذه أمام السادات؛ نرى عقلية فذة؛ فقد منَّ الله عليه بقدر كبير من المكر والدهاء الذي أهله لقيادة دولة في أصعب أوقاتها... دولة تضم شعبا مُثارا أُخذ من أرضه شبر غالٍ... وأُخذ من شبابه أغلاهم...
أظهر السادات أعلى درجات الخداع الاستراتيجي في خطة حرب أكتوبر المجيدة. جعل العالم أجمع يقر بأن الحرب أبعد ما يكون عن عقول الجيش المصري على الرغم من ولع الشعب بها. جهز جيشه على ما هو أصعب من الحرب. طوع أبسط الإمكانيات لتكون أهم أسباب النصر مثل استخدامه للغة النوبية في نقل الإشارات العسكرية. اختار أن يباغتهم في يوم عيدهم. اختار أن يحارب بجيشه وهو في أعلى مراتب القوة والإيمان؛ فكانت الحرب في نهار شهر رمضان المبارك... فأضحى لنا النصر وباتت لنا الأرض... وكُتب اسم السادات في التاريخ بقلم باقٍ في الأذهان وإن فنيت الكتب...
فهل في الوجود أجمل من مشاهدة فيلم "أيام السادات" في شهر أكتوبر... وإن كثرت مبالغاته.... تبقى مبالغات لا تنفي الأصل.... فمبالغات النصر واجبة لمزيد من لذات الاحتفال.... وعلى كل حال فالله لا يمنح مثل ذلك النصر لمن لا يستحق.
التعليقات