في 18 يوليو 1971 اجتمع حكام الإمارات العربية السبع لبحث سبل التعاون فيما بينهم لتحقيق التكامل لمواجهة التحديات و السياسات المتغيرة للعالم ، و في 2 ديسمبر من نفس العام تحقق حلم التكتل و أصبح واقعا ليتم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة ، أثناءها لم ترفع راية الإتحاد فقط بل رفعت معها راية التقدم و صنع المستقبل ، ومن تلك اللحظة بدأت مسيرة التطور لمجرد صحراء بشبه الجزيرة العربية التي تحولت تدريجيا إلى لوحة فسيفسائية تخللت كثبانها الرملية إيقونات معمارية و أنهارا و حدائق خضراء ، لقد تحول كل ما هو مستحيل إلى واقع ملموس .
برسمة ذكية من الشيخ زايد طيب الله ثراه ممزوجة بطيبة نفسه السمحة ، أستأنفت الإمارات رحلتها نحو المستقبل و صناعته و تشبعت برؤى و استراتيجيات حكامها لمواصلة مسيرة النجاح و التقدم ، كانت أول دولة في العالم تضع مفهوما للسعادة و تنشىء وزارة لها لتجسيد هذا المفهوم عبر مختلف مؤسساتها و هياكلها التنظيمة سواءا كانت حكومية أو خاصة ، و أول دولة عربية مسلمة تعزز مفهوم التسامح الذي يعتبر من أهم مبادىء ديننا الحنيف ، لتنشىء وزارة للتسامح ، رغم أن هذه السمة كانت تتوفر عليها الدولة من قبل ذلك منعكسة في مستوى التعايش بين ما يقارب 200 جنسية متعددة العقائد الدينية المستقرة بها ، فكانت هذه الميزة رسالة قوية و كافية للعالم تثبت فيها الإمارات نبذها للتمييز العنصري و العنف و تأكيد حرصها على دعم السلام والأمن لتتحول إلى رمز للتسامح ووطنا يكرس المعنى الحقيقي للسلم والأمن الذي أصبح شبه منعدم في مختلف دول العالم في الوقت الراهن .
خمسة و أربعين سنة من العطاء مكنت الإمارات لتكون أفضل وجهة سياحية بالعالم ليس بموقعها أو مناخها الطبيعي بل بإنجازاتها الشهيرة و بنيتها التحتية القوية التي تسهل حياة الوافدين و مختلف تنقلاتهم ، و أصبحت تتوفرعلى أكبر و أذكى مطارين في العالم بكل من إمارتي دبي و أبوظبي من حيث حركة الطيران و سعة استيعاب المسافرين سنويا ، و في هذه الفترة الوجيزة أبهرت الإمارات و خاصة دبي العالم بإيقوناتها المعمارية انطلاقا من الأبراج الشاهقة و الجزر الإصطناعية إلى البنايات العائمة لتتحول إلى لؤلؤة شبه الجزيرة العربية و منطقة الشرق الأوسط ، و نمت إماراتها و ارتفع عدد سكانها و توسعت تجارتها و ارتقت صناعاتها وارتفع حجم دخلها الإقتصادي في أسوء الظروف الإقتصادية التي تعاني منها أعظم الدول ، لم يأت كل هذا من عدم ، بل هونتاج خطط و استراتيجيات مدروسة و طموحة هدفها صنع مكانة الدولة على خريطة العالم .
تجاوزت الإمارات بقيادة دبي الفكرة التقليدية للتقدم و وضعت مكانها فكرة جديدة و مفهوما تفردت به لمعنى التقدم و النجاح في جملة واحدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله : " المستقبل يبدأ اليوم وليس غدا" ورسم طريقا واضحا لصنع مستقبل لم يسبق إليه أحد ، طريقا عنوانه الإبتكار و الإبداع في شتى المجالات ، لتحقيق آلية التوازن في التقدم لمختلف القطاعات و المستويات ، لم يستثن شخص من حقه في الإبداع و سرد أفكاره ، تم فتح الباب أمام جميع شرائح المجتمع دون استثناء و تم تبني مختلف الأفكار و تطويرها لتطوير الدولة ، ورشة الإبتكار هذه التي تبنتها الإمارات عززت مفهوم المسؤولية للأفراد وتوعيتهم بثقل حجهم و دورهم الفعال في بناء المستقبل ، بل تدفقت ينابيع التحفيز على الإبداع من دولة الإمارات العربية المتحدة لتعم أرجاء الوطن العربي و العالم من خلال إرساء عدة مشاريع فكرية و إبداعية مفادها التركيز على الإستثمار في الموارد البشرية كمفتاح رئيسي للتقدم .
اليوم الإمارات تحتضن أول مبنى في العالم مطبوع بتقنية الثلاثية الأبعاد ، و تستعد لإحتضان أسرع قطار بالعالم ، علاوة على إحتوائها على أطول برج في العالم ، أكبر مدينة لتجارة الجملة ، أكبر مركز تسوق ، و أكبر وجهة ترفيهية مغطاة ... و غيرها من الإنجازات التي أذهلت هذا العالم في سؤال موحد : كيف تحولت هذه الدولة من مجرد صحراء و ميناء تجاري صغير إلى أقوى بوابة إقتصادية في الشرق الأوسط و ضمن مصاف الدول العظمى بالعالم؟
باختصار هي دولة تمكنت بفضل عزيمة و طموح قيادتها أن تتحدى نفسها و تسابق الزمن لتصنع المستقبل في ظرف قياسي قدره خمسة و أربعين سنة فقط دون أن تتنكر لماضيها أو تتناسى إرثها التاريخي وأصالتها التي تحرص على وجودها و صقلها في مختلف إنجازاتها و إبداعاتها .
التعليقات