هذه القصة من وحى النار، علّها تُلهب مشاعركم خذوا منها العظة وباعدوا عنكم الأذى تنصلح أحوالكم، تقول الأسطورة إن جهنم الحمراء امتلأت ذات قرن بالخاطئين الأشرار، وكان الكثيرون منهم خارج البوابة الرئيسية المؤدية إلى الهلاك ينتظرون بقلق كبير ورعب أكبر إن كانوا سيدخلون إليها أم ستأتيهم النجاة فى آخر لحظة وعلى باب جهنم الحمراء وقف رئيس الشياطين إبليس الرجيم اللعين وصرخ بصوت جهير أخاف جميع الحاضرين المنتظرين، وقال:
«لقد امتلأت الأمكنة جميعها من أحبائى المخلصين أصحاب الشرور المتنوعة ولم يبق سوى مكان واحد شاغر على قمة قمم التأجج أظنه أحلى الأمكنة وأفخمها على الإطلاق».
ثم بدأ يسير بين الخطاة وهو يبتسم تلك الابتسامة الصفراء الرهيبة التى تدل على الأحقاد والكراهية ويضحك بسخرية ضحكات شريرة متتالية كانت تقشعر لسماعها أبدان الخاطئين وأخذ إبليس الرجيم اللعين يهز كل شرير خاطئ من كتفه وهو يسأله بلهجة مقززة للنفس والروح عن الخطايا التى ارتكبها ليرى ويُقيّم بنفسه مَن هو صاحب الحظ الأكبر والأسعد ليتربع على قمة قمم النار المتأججة بالحُمرة.
وفيما هو يسير بين النفوس الواقفة بانتظار مصيرها المحتوم، رأى واحدًا من البشر بدت عليه إمارات الهدوء والسكينة وهو ينظر بازدراء ولا مبالاة إلى هذا الرئيس اللعين، فاقترب منه زعيم الشياطين إبليس متعجبًا، وسائلًا الآتى: «يا هذا، أأنت خاطئ مثل بقية عشريتك البشرية؟»، ولم يرد الشخص الهادئ، بل اكتفى بالنظر إلى إبليس شزرًا فقال له إبليس: «لماذا لم ترد أيها البشرى؟ وما الذى أتى بك إلى هنا؟ ماذا فعلت فى حياتك؟»، فأجاب الشخص بسكينة: «لم أفعل شيئًا، فأنا رجل صالح جدًّا»، ضحك إبليس مستنكرًا وقال «وكيف وأنت رجل صالح جدًّا وصلت إلى بوابة جهنم الحمراء؟»، فقال الرجل: «أنا هناك نتيجة سوء فهم، لا أكثر ولا أقل».
فعلق إبليس: «ولكنك بالتأكيد أخطأت يومًا ما، فالبشر خطاؤون»، وأجاب الرجل بقناعة تامة وثقة متناهية: «لا شك ولكنى عن نفسى لم أدخل عالم الخطيئة الفعلى، فقط رأيت بشرًا يضطهدون غيرهم بيد أنى لم أدخل معهم فى هذا المعترك ورأيت آخرين يميتون الأطفال جوعًا ومرضًا أو يبيعونهم عبيدًا لبلدان ودول ولكنى لم أوافقهم على فعلهم هذا، ورأيت أيضًا جماعات أخرى تُهَّشم أجساد مخدوميهم ويعاملونهم كنفاية المجتمع كأن لا حق لهم فى الحياة، أما أنا فقد قاومتهم على أفعالهم هذه ولم أقترف مثلهم أفعالًا شائنة».
فقال له إبليس بدهاء: «أأنت متأكد أنك لم تفعل شيئًا مثلهم؟»، فأجاب الرجل بكل تأكيد: «نعم لم أفعل شيئًا»، وقال إبليس: «يا ضلالى أرأيت كل هذه المظالم تجرى على بنى جنسك وبقيت ساكتًا لا تحرّك ساكنًا؟»، فقال الرجل: «نعم رأيتها كلها ولم أفعل شيئًا، فماذا تريدنى أن أفعل حِيالها؟»، فقهقه رئيس الشياطين إبليس اللعين، وقال للرجل: «كم أنا سعيد بك وأقدم لك خالص تحياتى وأحر تهانىّ القلبية، مبروك أيها الساكت عن الحق، الشيطان الأخرس المخلص، مبروك يا صديقى، فهذا المكان المتأجج على قمة قمم جهنم الحمراء مُعد لك وحدك، لأنك لم تنطق بالحق وقتما كان المفترض أن تعلن ولم تدافع عن الصواب لا قولًا ولا فعلًا، فادخل إلى فرح سيدك اللعين، أنت ابن بار لى أكثر من جميع هؤلاء».
أما العبرة من هذه القصة فكل لبيب يفهم بالإشارة ما بين السطور يا أحبائى، الإنسان الصالح والمصرى الأصيل بالخصوص ليس فقط مَن يحيد عن الشر ولكن مَن يصنع الخير أيضًا، الذى يبتعد عن الرذيلة ويعمل الفضيلة، الذى يدافع عن المظلوم ويتصدى للظالم، الذى يساعد المغلوب على أمره ويمد يد العون لكل محتاج، الذى لا يكتفى بالنظريات بل يُقدم على الأفعال، الإنسان الصالح ليس متفرجًا وحسب بل فعالًا.
«فَمنْ يعرف أن يفعل حسنًا ولا يعمل، فذلك خطية له».
التعليقات