فى يوم ١٧ فى شهر ٩ فى سنة ١٩٦٠، ولدت موهبة استثنائية، التاريخ ليس دقيقا، الصحيح هو شهر ديسمبر، ورغم ذلك أعتبرها (تلكيكة) لكى أتحدث عن عبلة كامل، بينما عبلة ولا تفرق معها، (تعيش معنا وليست معنا).
قبل نحو ٤٠ عامًا، أشرق فى حياتنا ممثلة تملك موهبة استثنائية، فى أى مساحة تخطف قلبك قبل عينيك، أصبح المرادف لاسمها فى الصحافة (الموهوبة).. وعندما سألتها الإعلامية سلمى الشماع عن طموحها أجابت: (الأوسكار).
مواصفات «عبلة» لم تكن تؤهلها فى تلك السنوات لكى تلعب دور البطولة فهى ليست (الفيديت) التى تقابل الولد الحليوة (الجان)، عبلة تحمل مواصفات أعمق، وجمالا مختلفا. كان ينبغى أن يصاحبها مخرجون لديهم قدرة على تحطيم السائد.
أتذكر أننى سألت يحيى الفخرانى عن عبلة كامل فى حديث أظنه لم يكن للنشر، ولكنى أنشر الآن رأيه، وبعد مرور كل هذه السنوات لم يعد للسرية معنى، ولا ضرورة، فلقد مضى على حوارى معه ربما ثلاثون عاما أو أكثر، قال لى الفخرانى: عبلة موهبة بلا ضفاف، محيط لا شاطئ له، تتمرد على أى قوالب.. أعظم ما فى الموهوب ألا يفكر كثيرًا فى تمتعه بالموهبة، عليه فقط أن يمتلك شيئا آخر وهو الطموح.. (عبلة ينقصها هذا الطموح)!!.
هل يمثل الفنان ما يحب أم يحب ما يمثل؟!.. بالطبع كل فنان يتمنى أن يمثل ما يحب، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ولا كل ما يحبه يأتى إليه، ولهذا فإن أبغض الحلال هو أن يحب الفنان ما يمثل و«عبلة» تشعرنى دائمًا بأنها لا تكف عن محاولة أن تحب ما تمثله!!.
وأتصور أن «عبلة» وجدت دائمًا فيما تقدمه خيطا من الإبداع، ترتكن إليه مهما كان الدور منزوعًا من أى إمكانية للإبداع.. «عبلة» هى الوحيدة من جيلها التى صمدت فى زمن المضحكين الجدد والسينما النظيفة والإيقاع الروش، وكانت لها مساحتها.
عندما سألت منة شلبى عن مثلها الأعلى قالت لى عبلة كامل بلا منازع.
«عبلة» كانت مؤهلة لأن تصبح فنانة – شاهينية – بدايتها فى منتصف الثمانينيات سينمائيًا ارتبطت بسينما «يوسف شاهين» حيث شاركت وكعادة «يوسف» فى أدوار صغيرة فى فيلميه «الوداع بونابرت» ثم «اليوم السادس»، وقبل ذلك كان السيناريست «بشير الديك» يعد فيلمه الروائى الأول كمخرج «الطوفان»، فأسند لها دورًا رئيسيًا فى سينما أيضًا تنتمى فكريًا لدائرة بعيدة عن السائد.. ثم وجد فيها تلميذ «يوسف شاهين» المخرج «يسرى نصر الله» النمط المغاير الذى يبحث عنه ولهذا قدمها بطلة مشاركة فى أول أفلامه الروائية الطويلة «سرقات صيفية» ثم فى ثانى أفلامه «مرسيدس» ثم فى الثالث «المدينة» ومنحها «رأفت الميهى» دورًا هامًا جدًا فى فيلم «سيداتى سادتى».. إنها الكوميديا على طريقة «رأفت الميهى»، «عبلة» لا تتألق داخل تلك القيود التى يفرضها «الميهى» فى أفلامه «عبلة» تتنفس فى مساحات أخرى.. «الميهى» يريد أن يرى نجومه داخل إطار محدد، وهذا يتعارض مع طبيعة موهبة «عبلة»، التى ينبغى عندما تتعامل معها أن تترك لها من الحرية هامشا يتيح لها أن تبدع.
الدور الذى لا ينسى لعبلة كامل هو «سارق الفرح» للمخرج «داود عبدالسيد»، اشتعلت فيه موهبة «عبلة كامل» فى دور فتاة ليل!!، ثم مع «أحمد زكى» الذى شاركته فيلمى «سواق الهانم» إخراج «حسن إبراهيم» و«هيستريا» إخراج «عادل أديب»، وأتذكر أننى قلت عن أدائها فى «هيستريا» إنها تشبه آلة الناى بينما كان الآخرون أشبه بأوركسترا سيمفونى.. فى عزفهم الفنى يقدمون آلات نحاسية، ومن الواضح أن أداء الناى استوقف عام ٩٨ لجنة التحكيم فى (بينالى السينما العربية الرابع) الذى أقيم فى باريس، وحصلت رغم شراسة المنافسة على جائزة أفضل ممثلة، ولم تتسلم «عبلة» الجائزة لأنها لا تحضر المهرجانات.. تواصلت معها من باريس، حاولت إقناعها بالسفر لاستلامها إلا أنها اعتذرت أو بتعبير أدق هربت خجلًا ولا أتصور حتى هذه اللحظة أن الجائزة فى حوزتها.
التحول الشعبى فى حياة «عبلة كامل» سينمائيًا جاء مع «اللمبى» إخراج «وائل إحسان» وبطولة «محمد سعد» قبل ذلك كانت الأغلبية ترى أن «عبلة» ممثلة تليفزيونية من الطراز الرفيع فهى تقدم أدوارًا لا تنسى فى المسلسلات، ممثلة موهوبة ولكن نجومية الشباك تظل قضية أخرى.. حتى جاء «اللمبى» والذى رفع «محمد سعد» إلى قمة الإيرادات ولعبت «عبلة» دور (أم اللمبى) فكانت من أهم عوامل الضحك.
وكان دورًا محوريًا ولا يمكن أن تتخيل هذا الفيلم بعيدًا عن أداء «عبلة»، شعر السينمائيون بأن «عبلة» بمفردها قادرة على الجذب الجماهيرى، وذلك فى وقت لا يمكن أى نجمة الادعاء بأنها تملك كلمة السر مع الجمهور.. فى فيلم «كلم ماما» الذى أخرجه «أحمد عواض» راهنت فيه «عبلة كامل» على كل شىء ولها قررت أن تكون «ليمباوية» عندما تمثل وشعباوية عندما تغنى – نسبة إلى شعبان عبد الرحيم.
وعلى هذا مثلت وغنت وتم تعميدها نجمة للشباك، ثم فى «خالتى فرنسا» كانت هى «فرنسا» وابنة أختها «منى زكى» الفيلم كتبه «بلال فضل» وأخرجه «على رجب» وأصبح ليس هناك أدنى شك فى أن «عبلة» نجمة شباك، ولا يخرج «سيد العاطفى» عن نفس السياق التقليدى للثنائى «على رجب» و«بلال فضل» والمشروع سينمائيًا منسوب إلى «عبلة كامل» والمطرب «تامر حسنى» فهى أم «سيد العاطفى».. أما فى فيلمها «عودة الندلة» الذى كتبه أيضًا «بلال فضل» فاسمها فقط هو الذى يحمل جاذبية شباك التذاكر.
يبقى أن أذكر لكم أن «عبلة» فى هذا الفيلم وقبله بسنوات كانت ترتدى الحجاب وقدمت دورها محافظة على غطاء شعر رأسها.. هناك خيط رفيع أن تشاهد ممثلة محجبة تؤدى دورًا وممثلة محجبة تؤكد فى كل مشاهدها على الشاشة أنها محجبة.. «عبلة» تدرك أنها ممثلة أولًا، ولهذا وجدت الحل فى أن ترتدى الحجاب أو تضع غطاء على شعرها برنيطة إذا استلزم الأمر فنصدقها فى أدائها خاصة وأن دور بنت البلد من الممكن أن تضع إيشارب على شعر رأسها. انتصرت إرادة الممثلة رغم أنها ظلت محافظة على قانون الحجاب لأنها لم تضحِ أبدا بقانون الدراما!!
عندما دعوتها لحضور ندوة مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» عام ١٩٩٦ فى نادى الصحفيين، وافقت بعد إلحاح منى، لما كان يربطنا وقتها من صداقة.
كلما وجه الصحفيون سؤالًا لعبلة صمتت فيضطر «نور الشريف» لانتحال شخصية «فاطمة كشرى» ليجيب بالنيابة عنها، ثم توقفت تمامًا عن إجراء أو استقبال أى اتصال إعلامى مقروء أو مرئى أو مسموع، وأنا أيضا احترمت رغبتها ولم أعد أتواصل معها.
إلا أننا لم ولن نتوقف على أن نعلن حبنا لها، و(نتلكك) ونقول لها فى سبتمبر رغم أن عيد ميلادها فى ديسمبر: (كل سنة وأنت سعيدة ومبدعة ومبهجة وملهمة)!!.
التعليقات