شارك نجيب محفوظ في معالجة القصة السينمائية لفيلم "الناصر صلاح الدين" (إنتاج 1963) عن قصة يوسف السباعي، وشارك معه في المعالجة كل من: عز الدين ذو الفقار، ويوسف السباعي، وعبد الرحمن الشرقاوى ومحمد عبدالجواد. وكان أول تعامل محفوظ مع المخرج يوسف شاهين، وكان من المقرر أن يقوم بإخراج الفيلم عزالدين ذوالفقار، ولكن فاجأته أزمة قلبية، فأُسند الفيلم إلى يوسف شاهين، الذي جاء ومعه سيناريو، ولكنه استعان بكل فريق العمل في الفيلم.
كان نجيب محفوظ قد ابتعد عن السينما بعد أن عاد إلى كتابة الرواية مرة أخرى بعد توقف دام خمس سنوات (1952 – 1957) ولذا يقول ناصر عراق في كتاب "نجيب محفوظ شرقًا وغربًا": "لا أحد يملك تفسيرًا مقنعًا لعودة نجيب محفوظ مرة أخرى إلى عالم السينما من باب آخر غير باب الروايات، إذ فوجئ جمهور السينما الذي ذهب ليُشاهد العرض الأول لفيلم «الناصر صلاح الدين» في 25 فبراير 1963 بأن اسم نجيب يتصدَّر قائمة من ثلاثة أسماء تحت بند علاج القصة التي كتبها يوسف السباعي! أما الاسمان الآخران فهما المخرج الرقيق عز الدين ذو الفقار والمخرج محمد عبد الجواد!".
وفي "أمام العرش – حوار مع رجال مصر من مينا حتى أنور السادات" يلتقي محفوظ مرة أخرى صلاح الدين الأيوبي، ولكن عن طريق الوزير قراقوش الذي دعاه أوزوريس إلى الكلام فقال: دالت دولة الفاطميين؛ فجاء صلاح الدين الأيوبي إلى مصر، ليُنشيء دولة جديدة، هي الدولة الأيوبية، وعملتُ تحت جناحه وزيرًا، وشهدتُ إصلاحاته الداخلية من تنظيم للإدارة وتخفيفٍ للمكوس (الضرائب) وإقامة العدل، كما شهدتُ إنجازاته الخارجية، مثل توحيده العرب، ومحاربة المسيحيين الأجانب والانتصار عليهم، واستوائه بين الفرسان مثالا للشجاعة والشهامة والمروءة والعظمة.
لكن أوزوريس - أو نجيب محفوظ - لم يستدعِ صلاح الدين الأيوبي (1137 – 1193) للوقوف أمام العرش. هل لأنه غير مصري؟ فمن المعروف أن صلاح الدين من أسرة كردية عريقة، كريمة الأصل، وعظيمة الشرف، ولد في قلعة تكريت، وهي بلدة قديمة أقرب إلى بغداد منها إلى الموصل. وعاش عشر سنين فى دمشق فى بلاط نور الدين محمود، واشترك مع عمه أسد الدين شيركوه فى حملات بعثها نور الدين محمود إلى مصر في عهد الخليفه العاضد الفاطمي. وبعد وفاة عمه قوَّى مركزه في مصر، وحذف اسم الخليفه العاضد من خطبة الجمعة وقضى على الخلافة الفاطمية سنة 1171 وأعلن استقلاله بعد وفاة نور الدين محمود سنة 1174 ونصَّب نفسه سلطانًا على مصر وضم دمشق وحمص وحماة وحلب. وهو لم يدفن أيضًا في مصر، ولكن دفن في دمشق.
ألم يكن يستحق وقفة أمام العرش يشرح فيها الكثير من الأمور الغامضة في سيرته ومسيرته، وكيف ولماذا قضى على الخلافة الفاطمية في مصر؟
على الوجه الآخر زار أمير الشعراء أحمد شوقي قبر صلاح الدين في دمشق. هذا هو الخلود في الحياة، فقد مرَّتْ قرون على صلاح الدين ولا زالت الأجيال تتوارث ذكراه. قال: عندما وصلنا إلى هناك، وقفتُ أمام ضريحه وهمستُ قائلا: هذا أُمَّة. هذا فخرٌ طوته الأرض، وهي أبدًا تطوى، ولكن ذكره باقٍ حتى تطوى السماء والأرض. وأخذت أتنقل ببصري حول الضريح، وأنظر إلى ما سطر بالحوائط، فتغرورق عيناي بالدموع.
ويبدو أن اسم شوقي ارتبط بصلاح الدين بعد أن كتب عنه أبياتًا من شعره، حيث يذكر حسين شوقي في كتابه "أبي شوقي": "وضع إسعاف بك (محمد إسعاف النشاشيبي – عضو المجمع العلمي العربي بدمشق) كتابًا في السنة التي توفي فيها أبي (1932) سمَّاه "البطل الخالد صلاح الدين والشاعر الخالد أحمد شوقي"، قال فيه: "إن من مفاخر الإسلام: صلاح الدين وشوقي الشاعر".
ويقول أحمد عبدالوهاب أبوالعز في كتابه "اثني عشر عاما في صحبة أمير الشعراء" إن شوقي زار قبر صلاح الدين بدمشق ذات يوم، وعاد إلى دمر، فأخذ ينظم، وكان معه الأستاذ محمد عبدالوهاب والأستاذ نجيب الريس، فلم يمض أكثر من ساعة حتى انتهت القصيدة التي مطلعها:
قُم ناجِ جِلَّقَ وَاِنشُد رَسمَ مَن بانوا ** مَشَت عَلى الرَسمِ أَحداثٌ وَأَزمانُ
فتكلموا معه عن سرعته في نظم هذه القصيدة مع مكانتها هذه من الجودة، فقال: هي روح صلاح الدين.
وفي القصيدة التي مطلعها:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ ** وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
يذكر شوقي اسم صلاح الدين فيقول:
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا ** وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ ** وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
التعليقات