ليس من السهل على أي من القادة اتخاذ قرار الحرب، فالزج بالجنود إلى قلب معركة لا يعلم إلا الله وحده نتيجتها أمر رهيب، أمر يجب أن يفكر فيه القائد، الذي يمتلك إصدار القرار، ملايين المرات لأنه يذهب بملايين الأفراد، جنود ومدنيين، إلى أرض المعركة التي قد لا يعودون منها، وقدرة القائد على التفكير لاتخاذ مثل هذا القرار لابد أن تكون نابعة من موقع "القوة" وليس موقع الضعف، فمن يكون ضعيفًا لا يمتلك القدرة على اتخاذ قرار إعلان الحرب، لكنه لابد وأن يتصدى للدفاع فيقدم أرواح جنوده عنوة، وليس عن رغبة في تحقيق مجد معين. فهل ترى معي كيف أن قرار يعود لشخص واحد، أو حتى يعاونه عدد قليل، هذا القرار يعتمد على خلفيته الفكرية وطبيعة شخصيته وتربيته الخاصة، قرار مثل هذا كيف يؤثر في حياة الملايين، أو يودي بحياتهم..!!
والحروب على مر التاريخ حصدت ملايين البشر وحصدت مليارات الدولارات والنتيجة مهما بلغت فهي لا تعادل جزء من بين مليون جزء من الخسائر الحقيقية.
ونحن هنا لسنا في خضم كتابة بحث توثيقي حول عدد قتلى الحروب على مر التاريخ ولكني أود تقديم بعض نماذج الحروب التي خاضتها البشرية بناء على قرارات عدد قليل جدًا من الساسة وكانت نتيجتها كارثية، ولنبدأ بما عُرِفَ تاريخيًا بالحملات الصليبيَّة أو الحروب الصليبيَّة، وتضع التقديرات عدد ضحايا الذين قضوا في الحروب الصليبية بين مليون إلى حوالي 3 مليون شخص. وهي مجموعة من الحملات والحروب التي قام بها الأوروبيون من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 - 1291)، كانت بشكل رئيسي حروب فرسان، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الذين اشتركوا فيه وكانت حملات دينية وتحت شعار الصليب من أجل الدفاع عنه وذلك لتحقيق هدفهم الرئيسي وهو السيطرة على الأراض المقدسة كبيت المقدس، ولذلك كانوا يخيطون على ألبستهم على الصدر والكتف علامة الصليب من قماش أحمر.
أما الحرب العالمية الأولى، وهي حرب بدأت أوروبية وانتهت عالمية، أشعل شرارتها طالب جامعي بعد اغتياله ولي عهد النمسا عام 1914، وانتهت بصراع عنيف لأربع سنوات شاركت فيه أكثر من 70 دولة، راح ضحيتها نحو 22 مليون إنسان، ومهدت لتغييرات سياسية كبيرة، وكانت وراء ثورات في دول عديدة.
وتلتها الحرب العالمية الثانية هي حرب دولية بدأت في الأول من سبتمبر من عام 1939 في أوروبا وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، شاركت فيها أو تأثَّرت بها الغالبية العظمى من دول العالم منها الدول العظمى في حِلفَين عسكريَّين متنازعين هما: قوات الحلفاء ودول المحور، كما أنَّها الحرب الأوسع في التاريخ، وشارك فيها بصورة مباشرة أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 بلدًا، وقد وضعت الدول الرئيسية كافَّة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي.
أدَّت الحرب العالمية الثانية إلى عددٍ كبيرٍ من القتلى المدنيين، لعبت الطائرات دورًا رئيسيًا في الصراع، حيث مكَّنت القصف الاستراتيجي للمراكز السكنية الذي أودى بحياة حوالي مليون شخص، ومنه القنبلتان الذرِّيتان اللَّتان أُلقيتا على هيروشيما وناجازاكي، أدَّت الحرب إلى وقوع ما بين 50 و85 مليون قتيل حسب التقديرات؛ غالبيتهم من المدنيين؛ لذلك تعدُّ الحرب العالمية الثانية أكثر الحروب دمويةً في تاريخ البشرية.[7] مات عشرات الملايين من الناس بسبب الإبادة الجماعية (بما في ذلك الهولوكوست) والجوع والمجازر والأمراض. في أعقاب هزيمة دول المحور، تمَّ احتلال ألمانيا واليابان، وأجريَّت محاكم جرائم حرب ضد القادة الألمان واليابانيين.
وفى إسبانيا نجد حوالي 200 ألف أسباني قتلى، وهذا في ظل ديكتاتورية فرانكو أو نظام حكم فرانكو على الفترة الزمنية من تاريخ إسبانيا العائدة لحكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو باهاموندي، الملقب ب«القائد»، وتطوّر ما يعرف باسبانيا الفرانكوية، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 200000 إسباني لقوا حتفهم في السنوات الأولى من الحكم الديكتاتوري في الفترة (1940-1942) نتيجة القمع السياسي والجوع والأمراض المتصلة بالصراع، وفقاً لعدة تقارير، وإسبانيا هي ثاني دولة في العالم بعد كامبوديا من حيث عدد الأفراد المفقودين الذين لم يُعثر على بقاياهم أو تحديدها.
وإذا انتقلنا إلى حرب أمريكا على العراق، تلك الحرب كلفت الخزانة الأميركية ما لا يقل عن 2.89 تريليون دولار، هذا بالإضافة لضحايا وقتلى تخطى عددهم ربع مليون شخص أغلبهم من المدنيين العراقيين.
وتحدثنا التقارير عن ضحايا غزة الأخيرة فقط والتي أعلنتها وزارة الصحة في غزة أن عدد القتلى الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية وصل في يوليو 2024 إلى 38295 فلسطينياً و88241 مصاباً منذ 7 أكتوبر 2023 وعن الخسائر المادية التي تكبدتها إسرائيل فقد وصلت إلى 300 مليار دولار ، ناهيك عن الخسائر المادية في قطاع غزة والدمار الشامل الذي لحق بها وتسويتها بالأرض.
أما الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وهي أطول حرب في القرن العشرين وأحد أكثر الصراعات دموية وكلفة من الناحية الاقتصادية والبشرية. وتتراوح تقديرات إجمالي عدد ضحايا الحرب ما بين مليون إلى مليوني شخص. أما من الناحية الاقتصادية فقد خرج البلدان من الحرب بخسائر هائلة تجاوزت 400 مليار دولار من ناحية الأضرار المادية، بينما بلغت كلفة الحرب المباشرة نحو 230 مليار دولار.
وفى سوريا نجد أن الاضطرابات وهي جزء من موجة أوسع نطاقًا من احتجاجات الربيع العربي 2011 التي بدأت من تونس، وفيها اشتركت عدة جهات في النزاع: الحكومة السورية مدعومة من حلفائها روسيا وإيران وحزب الله، وعلى الطرف الآخر تحالف فضفاض لجماعات المعارضة المسلحة على رأسها الجيش السوري الحر، وجماعات سلفية جهادية بما فيها جبهة النصرة و تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية التي تضمُّ أغلبية كردية، مع تدخل عدد من البلدان في المنطقة وخارجها إما بالمشاركة العسكرية المباشرة، أو بتقديم الدعم إلى فصيل مسلح واحد أو أكثر. وقدرت الأمم المتحدة عدد ضحايا الحرب الأهلية بين 580,000–617,910 شخص، منهم 306,887 مدني بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، و6.7 مليون نازح بحلول مارس 2021. مما يجعلها احدى أسوا الحروب كارثية في القرن الواحد والعشرين.
وبالطبع، كما ذكرت من قبل، لسنا بصدد توثيق أعداد ضحايا الحروب، ولستنا في مقام البحث عن عدد قتلى الاغتيالات السياسية أو ضحايا الاحتجاز القسري والخلاف السياسي وغيرها من المور التي تعود إلى قرارات تصدر عن الساسة وأصحاب مراكز القيادة القادرة على إصدار القرار بدخول حرب أو بتصفية مَن يختلف معه ويرفض قرارته.
التعليقات