ما بين تهديدات إيرانية معلنة عبر وسائل إعلام رسمية بقرب موعد تأديب إسرائيل. ثأرا لمقتل إسماعيل هنية داخل إحدى دور الضيافة العسكرية في طهران. وسرعان ما تم مسح هذه التهديدات والتراجع عنها. وما بين ذبذبة واضحة في حدة التصريحات الإيرانية والإسرائيلية المتبادلة بخصوص الضربة المرتقبه لتل أبيب. ينعكس بوضوح حالة التخبط والخوف لدى القيادتين من حدوث السيناريو الأسوأ بالإنزلاق إلى حرب مفتوحة ليست من صالح إيران وإسرائيل ومن يقف خلفهما.
في وقت أعلنت فيه نيويورك تايمز أن نتنياهو أصبح خارج السيطرة الأمريكية وقد وضع جوزيف بايدن في الظل بعد اجتماعهما الأخير والذي لم يطلعه فيه على مخطط إسرائيل في تصفية قيادات تابعة لإيران ومنهم إسماعيل هنية وفؤاد شكر بل واستفزاز الجانب الإيراني بتوقيت الإعلان عن مقتل محمد الضيف والذي يتزامن مع الإعلان عن مقتل إسماعيل هنية. في رسالة إسرائيلية فحواها ان نتنياهو سيقوم بتصفية قائد إيراني كل نصف ساعة، وأنه لا يخشى الحرب على كل الجبهات. متجاهلا دخول أطراف أخرى بؤرة النزاع الإسرائيلي الايراني بإعلان روسيا أنها ستقوم بتسليح الحوثي في حال دخلت إسرائيل في حرب مفتوحة مع إيران. بل وقيام بوتن بإمداد الحوثي بأنظمة رادار حديثة مكنته من استهداف العديد من السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر بشكل دقيق وإحباط الهجمات الإسرائيلية عليه. وكذلك إعلان كوريا الشمالية أنها ستمد إيران بالأسلحة النووية في حال قامت إسرائيل بشن هجمات نووية على جنوب لبنان أو إيران. وهذا ما يدعونا إلى بحث سيناريوهات الضربة الإيرانية المرتقبة على إسرائيل وما قد يتبعها من ردود أفعال مختلفة.
تعزيزات عسكرية قبل الضربة الإيرانية
كباحثة في الشأن الإيراني سبق واطلعت على عدة تقارير بمجلات عسكرية تشير بوضوح إلى عجز في مخزون قاذفات الصواريخ لدى إيران. وقد قامت روسيا بتغطية هذا العجز خلال الأيام الماضية بإرسال شحنة من قاذفات الصواريخ إلى طهران لدعمها في حربها ضد إسرائيل. بالإضافة إلى إمداد الحوثي التابع لإيران في اليمن بمنظومة رادارات حديثة مكنته الفترة الماضية من تفادي هجمات إسرائيلية وكذلك سهلت عليه مهمة عمل الزوارق المسيرة الحوثية المفخخة المحملة بالمتفجرات والتي استهدفت العديد من السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر بدقة عالية وفرتها منظومة الرادارات الروسية ذات التقنية الحديثة. ومن ناحية أخرى فهذا لا ينفي إمداد الولايات المتحدة للطفل المدلل إسرائيل بمنظومات دفاع جوي حديثة تم الإعلان عنها مؤخرا مرفق معها العديد من الفنيين والجنود المحترفين في تفعيلها مما يزيد عدد الجنود الأمريكان في المنطقة. بل والإعلان عن إستلام تل أبيب لشحنة كبيرة من القنابل الأمريكية MK83 للرد على إيران في حال أحدثت خسائر فادحة في العمق الإسرائيلي تتوجب الرد. ولعل هذا هو التعزيز الأمريكي العسكري الثالث في المنطقة بالجنود والأسلحة. وتعتبر هذه إحدى الخدمات الجليلة التي قدمتها إيران للولايات المتحدة عبر إعادة الأخيرة للمنطقة بعد انسحابها وفرض تعزيزات عسكرية أمريكية موسعة تحت غطاء إنشاء تحالف غربي تقوده أمريكا الموجودة بكثافة داخل المنطقه للتصدي للهجمات الإيرانية وحماية تل أبيب. واستفادت إيران من ناحية أخرى بصفقات تسليح روسية.
سيناريو تأخير الرد بهدف الاستنزاف
ولعل تأخر الضربة الإيرانية على إسرائيل ثأرا لمقتل هنية. جعلنا ومن خلال قراءة المشهد نتوقع عدة سيناريوهات محتملة لعملية التأخير. أولهما عزم إيران على استنزاف وإرباك وتشتيت إسرائيل عسكريا واقتصاديا وأمنيا. والذي دفع تل أبيب للإعلان لأول مرة عبر صحيفة تايم اوف إسرائيل عن عدد القتلى الإسرائيليين منذ أن بدأ 7 أكتوبر والذي يصل إلى 10000 قتيل وهو رقم ضخم يضاف إلى تراجع البورصة الإسرائيلية 3% خلال الأيام الماضية. نظرا لتوتر الأوضاع الأمنية في إسرائيل وعدم وضوح موعد الاستهداف الإيراني لإسرائيل ثأرا لهنية. مما أدى لتضاعف نسبة هروب رؤوس الأموال والشركات من السوق الإسرائيلية مقارنة بوضع السوق الإسرائيلي فيما بعد هجمات طوفان الأقصى. وإعلان صحيفة يديعوت احرنوت أن رئيس الحكومة نتنياهو هو أول من نزل إلى السرداب تحت الأرض أسفل وزارة الدفاع الإسرائيلية في حالة خوف وترقب لضربة إيرانية مرتقبة جعلت الحكومة الإسرائيلية تتخذ عدة تدابير خلال الأيام الماضية رافعة جاهزيتها لاستقبال حوالي 200 ألف صاروخ يحمل متفجرات وهو مخزون حزب الله التابع لإيران من الصواريخ الباليستية متوسطة وقصيرة المدى. وكذلك توزيع هواتف محمولة متصلة بالقمر الصناعي على الوزراء الإسرائيليين تحسبا لانقطاع الكهرباء عن كل أنحاء إسرائيل. ولعل سيناريو تأخير الضربة الإيرانية ينطوي على هدف أخر وهو جر إسرائيل لتبدأ بضربة استباقية تنطلق معها شرارة الحرب. ويمكن القول أن إيران بدأت بعملية التشتيت العسكري والإلهاء لإسرائيل وأمريكا من خلال ضرب قاعدة عين الأسد في العراق وإحداث خسائر بالتزامن مع استهداف مدينه ايليت الإسرائيلية وسقوط على عشرات القتلى.
سيناريو الضربات المتتالية من عدة جبهات
ولعل هذا هو الكابوس الذي يقلق اسرائيل من احتمالية تلقي موجة من الضربات الإيرانية وليست ضربة واحدة منفرده تأتي من كافة الجبهات الإيرانية في وقت واحد.
مع إتباع أسلوب التمويه والتشتيت لمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية. كأن يقوم حزب الله بتوجيه ضربات للقبة الحديدية في محاولة إشغالها، وفي نفس الوقت تستعد باقي الجبهات الإيرانية وتشمل جبهة الحرس الثوري لضرب إسرائيل. مما سيحدث خسائر فادحة. ولكنني أستبعد هذا السيناريو لأنه سيؤدي لحرب شاملة لا تسعى إليها إسرائيل وإيران. وأعتقد بشكل كبير أن سيناريو الحرب المفتوحة يعتمد على مدى الخسائر التي ستتلقاها إسرائيل من الضربات الإيرانية فإن كانت خسائر محدودة كالتي حدثت في أبريل الماضي بعد استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق ورد الأخيرة عليها بضربات محدودة حفظا لماء الوجه. ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن نقارن الضربة الإيرانية المرتقبة على إسرائيل بتلك التي كانت في أبريل الماضي. نظرا لأن إيران في وضع حرج بعد إنهيار صورتها العسكرية وحالة الغضب والخوف التي يعيشها المواطن الإيراني بعد اغتيال إسماعيل هنية داخل الأراضي الإيرانية وحاجة نظام الملالي لاستعادة صورته أمام ميليشياته وأتباعه وتصدير فكرة أن النظام ما زال بهيبته وقوته.
ولعل هذا هو السيناريو الأسوأ بالنسبة لتل أبيب خصوصا أن نقطة ضعف إسرائيل هي الحرب في أكثر من جبهة مفتوحة. ويكفي أن نُذَكِر بأن إسرائيل وعلى مدار عام كامل من طوفان الأقصى فشلت في الحرب في جبهة واحدة. ولم تستطع القضاء سوى على 30% فقط من قدرات حماس العسكرية وتدمير ما يقارب الـ 25% فقط من الأنفاق. فكيف ستواجه إسرائيل حروب من خمس جبهات ترد فيهم إيران بالأصالة وبالوكالة. خصوصا أن نتنياهو يعلم جيدا أن منظومة الدفاع الجوي لديه لن تصمد طويلا في حرب ربما تستغرق أيام وإن نفس هذه المنظومة الدفاعية الإسرائيلية لم تستطع حماية مدينة إيلات من هجمات حزب الله أمس. والتي أدت إلى سقوط عشرات القتلى الإسرائيليين وسط تعتيم إعلامي.
سيناريو ضرب حيفا والتسلل من خلال الأردن
لقد توقعت في وقت سابق أن ميناء حيفا هو هدف إيراني من خلال قيام حزب الله اللبناني بإرسال مسيرة تحمل كاميرات وليس متفجرات لتصوير ميناء حيفا وقواعد عسكرية إسرائيلية في شمال إسرائيل قبل حادث مجدل شمس بيوم واحد. وإني أستبعد أن تقوم إيران بتوجيه ضربات عسكرية لمنشآت نووية إسرائيلية خوفا من أن تبادلها الأخيرة بنفس رد الفعل. خصوصا وأن إيران تحاول استغلال حالة التعاطف الدولي إتجاه ما تتلقاه من ضربات للفت أنظار العالم بعيدا عن برنامجها النووي وهو المستهدف الأول لتدميره من قبل نتنياهو. وأيضا أستبعد أن يكون هناك نوايا إيرانية لاستهداف حقول غاز إسرائيلية مثل حقل كاديش. رغم أن حزب الله قام بتصويره أيضا مؤخرا وذلك لأن إيران تتجنب أن ترد إسرائيل عليها مستهدفةً مصادر الطاقة الإيرانية او مدنيين في لبنان. وتصل الأزمة إلى معركة نووية أو حرب مفتوحة. وهو السيناريو الذي تتجنبه إيران وامريكا بغض النظر عن موقف نتنياهو الذي يلعب بسياسة الأرض المحروقة.
وهناك سيناريو أخر تظهر ملامحه في زيارة وزير الخارجية الأردني إلى إيران. ليس من باب الوساطة بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني للتهدئة بل لإيصال رسالة من ملك الأردن إلى خامنئي وبزشكيان مختصرها أن الأردن ليست ممر للمتسللين المسلحين من إيران وأذرعها بإتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة للرد على إسرائيل. وان الأردن ليست طرفا في الصراع الإيراني الإسرائيلي الحالي.
مجمل القول إن الضربات الإيرانية المرتقبة على إسرائيل ستكون بالمسيرات والصواريخ الكروز وكذلك الباليستي. ولكن هناك تقارير تشير إلى تكثيف استخدام الكروز في هذه الضربة نظرا لدقته العالية وصعوبة إسقاطه من قبل منظومة الدفاع الجوي. رغم أنها بطيئة مقارنة بالباليستي ومداها أقل. ومن وجهة نظري فإن هذا يعكس رؤية إيران للضربة المرتقبة على إسرائيل. بحيث ان تكون محدودة وذات تأثير قوي تستهدف مواقع إسرائيلية على الأغلب عسكرية ولا تفضي لحرب مفتوحة مع إسرائيل. وفي نفس الوقت تحقق الهدف الإيراني بالثأر للكرامة العسكرية وطمأنة الداخل الإيراني واستعادة هيبة الملالي أمام ميليشياته وأتباعه في المنطقة.
التعليقات