اعتدنا على حياة التريند بشروطه وضوابطه، فالخبر الأقوى والأكثر تأثيرا يسرق الأضواء فالأعين فالأذهان، وتندثر كل القضايا الأخرى وإن كانت لا تزال حية تريد من يحلها.
ولكن هل من المنطقي أن ينشغل الأب بطفله المصاب بالسرطان، ويهمل طفله الآخر المصاب بحمى التيفود حتى يلاقي حتفه؟! ويكون مبرره أمام نفسه أن السرطان أشرس وأخطر. أليس الآخر ابنه أيضا، ويستحق اهتماما بمرضه؟! وأليست حمى التيفود مرضا قاتلا أيضا، وإن كان أقل شراسة من مرض السرطان؟!
إن ما يحدث الآن في أغلب البلدان العربية اختبار صعب، اختبار للعرب وللمسلمين ولكل من يحمل لقب إنسان.
يأتي ما يحدث في فلسطين من جرائم ضد الإنسانية في صدارة المشهد العربي، ولا أنكر استحقاقها لذلك، فعذاب الحي موجع أكثر بكثير من كثرة الشهداء، ومشهد الأطفال مقطوعي الأطراف، والأطفال مقطوعي النسل حيث فقدوا آبائهم وأمهاتهم تحت القصف، لا شيء يعادل وجعهم ولا وجعنا عليهم.
ولكن هذا لا يعني أن ننسى السودان فهي أيضا جزء منا ولا ذنب لشعبها فيما يحدث في فلسطين حتى تُسرق الأضواء من على مصيبتهم، فلهم الحق في الاهتمام والتقدير.
إن ما يحدث في فلسطين أكبر من أن يتم حله في أيام، فهناك محتل عدو لم ولن يترك شرا إلا وسينزله بشعب فلسطين، ولكنها حرب بين عرقين يحاول أحدهم التخلص من الآخر للاستيلاء على حق الثاني في الأرض، وصدقنا أنها قضية يصعب على الجميع حلها في الوقت الراهن.
ولكن أين قادة الأمة العربية والإسلامية مما يحدث في السودان؟! تنتشر صور لهياكل عظمية حية تحمل هياكل عظمية حديثة الموت إلى مثواها قبل الأخير وهو القبر. يموتون جوعا ويموتون من نقص المستلزمات الطبية، أهذه أيضا قضية يصعب علينا حلها؟! أكثير على أمة العرب وأمة المسلمين إطعامهم وعلاجهم؟! أسهل على كل من حمل لقب إنسان واستحقه أن يتقبل فكرة أن هناك شعبا يلاقي حتفه تدريجيا بسبب جوع بعد شبع؟!
"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به." صدق رسول الله (ص).
فإن لم نستطع الوقوف أمام المرض فواجب علينا على أقل تقدير أن نخفف من حدة الأعراض حتى يأتي الشفاء من عند الله، فلا خير في أمة بلا إيمان ولا إيمان لأمة بقلوب تفيض من ملؤها قسوة وتفتقر إلى كل معاني المروءة.
التعليقات