أجمل وأشهر ضحكة في مصر، ضحكة الفنان حسن فايق، وهي طالعة من قلبه كـأنها زُغطَّة حلوة بطعم السمن البلدي وأيضًا ضحكة أخي، الذي يضحك في كل الأوقات بدون أسباب، وكأن تحت جلده شيء يُضْحِكه، لدرجة أن جارنا الذي لم أره يضحك ولو مرة واحدة في حياته، كان دائمًا يقابل أخي علي السلم ويقول له بغضب وعصبية: " أنت دائمًا فاتح حنكك على البحري من غير حساب؟! الضحك من غير سبب...".
وقبل أن يكمل كلامه يترنح أخي وتغرق روحه في موجة ضحك لا تنقطع ولا تنتهي.
ذات مرة كان أخي نائمًا ونحن جالسون نشاهد فيلم الخطايا لعبد الحليم حافظ، وعماد حمدي، وفي اللحظة التي سيضرب فيها عماد حمدي عبد الحليم بيده علي وجهه ويقول له: "انت مش ابني، انت لقيط" كانت دموعنا تكاد تسقط على خدودنا من حزن الموقف، قام أخي وهو نائم وظل يضحك وعيناه مغمضتان، وكأنه يسمع نكته في حلمه، ثم عاد وتكوَّم على نفسه ونام مرة أخرى وكأن شيئًا لم يحدث، نظرنا لبعضنا وظللنا نضحك طوال الفيلم وعيوننا مليئة بدموع لذيذة.
أخي كان دائمًا يُغنِّي أغنية ليلي مراد (اضحك كركر، اوعي تفكر) ويقول لي إن ضحكة الطفل الذي يصاحب محمد فوزي في أغنية (ماما زمانها جاية) ألذ ضحكة في العالم ويغمز لي بعينه ويقول: "لا تنس ضحكة هند رستم" أقول له: "وماري منيب" يقول: "اسماعيل ياسين يقتلني من الضحك في فيلم ابن حميدو".
المرة الوحيدة التي وجدت فيها أخي لا يضحك ويبدو عليه الحزن الشفيف سألته: "ما بك؟" فقال لي: " جارنا قال لي أن كثرة الضحك تجعل الإحساس يتبلَّد، والقلب يموت".
قلت له: " يا رب جارنا يموت" وذهبنا إلى الشيخ محمد مكرم في جامع ضيف الله وسألناه عن كثرة ضحك أخي، بص الشيخ محمد مكرم لأخي وقال له : "أنت تحب الضحك يا بني؟!".
دارى أخي وجهه من الشيخ محمد مكرم وضحك ولم يستطع أن يكتم فمه؛ فقال له الشيخ: "يا ولدي ربنا هو الذي أضحك، والضحك نعمة من نعم ربنا علينا، ربنا يضحكك أكثر يا ولدي".
رجع أخي معي للبيت وهو في غاية الفرح وانزاح من فوق صدره جبل حزن، وقابلنا جارنا وحين رأى أخي مبتسمًا في مودة، كشَّر جارنا، وظهرت أسنانه الصفراء المتآكلة وقال بعصبية وغيظ: "دائمًا أشاهدك وفمك مفتوحًا عن آخره، سيدخل فمك ثعبان أقرع، وسيمتص الضحكة من لسانك.. ".
وقبل ما يكمل سلسلة العذاب وقع أخي من الضحك علي الأرض، وأنا لم أستطع أن أمسك نفسي من منظر تكشيرة جارنا وظللنا نضحك، نضحك، نضحك، نضحك.
التعليقات