تُحدثنا الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبر عن بعض مشاعرها، تحدثنا عن ابنها البطل يسري عمارة فتقول:
فى فترة الاستنزاف .. والفترة اللى سبقت سته أكتوبر أطلقوا على "يسري" لقب: الشاشة، لإنه كان بيطلع ويقعد علي شجرة "كافور" طول النهار وينقل لهم كل اللى بيشوفه من تحركات العدو، وفي شهر سبتمبر قبل المعركة، تم تدريب مجموعة يسري عمارة، على مناورة كبيرة في منطقة (المحسمة) بين الإسماعيلية والزقازيق، وهي تعتبر عبور مثل عبور القناة الحقيقي، لكن مع اختلاف طبعا بين المياه العذبة والمالحة.
يسري عمارة
في أوائل أكتوبر بدأت تحركات غريبة، وخرائط، ومشاريع، وتشديدات في التدريب، لكن بدون تفسير وبدون أوامر واضحة.. الجميع كان فى حالة تأهب واستعداد تام بدون معرفة موعد بدء القتال. واستمرت التحركات دي فى نهاية يوم 4 اكتوبر وبداية يوم 5 أكتوبر و فى يوم 6 أكتوبر، عشره رمضان الساعة العاشرة صباحًا اجتمع قائد الكتيبة العقيد "محمود جلال مروان" بالقادة اللى تحت منه في الكتيبة، وقال لهم: هانفطر هنا.. دلوقتي.. وبعدها قام بتوزيع الشاي والتمر وقال افطروا..، طبعا كلهم بقوا يبصوا لبعض ومندهشين.. ماهم صايمين، والقائد بيقولهم افطروا.. لكن ما ينفعش يسألوا.. وبالفعل فطر البعض ولم يفطر البعض الآخر، بعدها بدأ يشرح لهم الخطوات لما يعدوا البر الشرقي للقناة، اللى هما أصلا حافظينها.
وكان الاستعداد من الساعة واحدة ونص..عشان يتقوا أي ضربة مضادة من إسرائيل إذا تسرب لهم الموعد الحقيقي للعبور.
والساعة اتنين الضهر بالظبط عبر الطيران المصري .. عبروا على ارتفاع منخفض فوق رؤوس جنود المشاة وباقي الأسلحة.. وبدأ الأبطال بعد الطيران ينزلوا القناة لعبورها ، ومجموعة يسري عمارة كانت بتتحرك من طريق المعاهدة لطريق المرشدين في منطقة الفردان، وأخدوا تقريبا ربع ساعة، فرحانين بشكل غير عادي، وزادت فرحتهم لما لقوا الطيارين، نسور الجو .. راجعين وبيحيوهم بحركات استعراضية بالطيارات .. بيقولولهم إنهم نجحوا في مهمتهم .. واتقدموا يا أبطال .. وفعلا عبروا .. لقوا النقط الأولى للعدو مدمرة .. كانوا من فرحتهم وهما بيرفعوا العلم المصري على الضفة الشرقية بيبكوا .. يا جمالكم يا أولادي..
واستمرت الاشتباكات خلال أيام 6 و 7 و 8 والانتصارات متتالية والروح المعنوية لأولادنا وأبطالنا في السما.. حاسين بالعناية الإلهية معاهم.. فكانوا بيتقدموا، لغاية ما وصلوا في اليوم التالت لـ 9 كيلو شرق القناة.. يوم الاثنين اللي أطلقت عليه إسرائيل (الإثنين الأسود) لشدة الخسائر من المدرعات.
في الوقت دا اكتشف الاستطلاع المصري إن إسرائيل بتقوم بتجميع قواتها لرد القوات المصرية، عشان تعمل ثغرة توصل من خلالها للصالحية، وتقطع طريق إسماعيلية بورسعيد، وصل الخبر للقادة واتفقوا على عمل جيب.. شرك يوقعوهم فيه.. وفعلا سابوهم دخلوا جوه الشرك اللى كان على حرف يو بالانجليزي.. وفجأة صدرت الأوامر للبطل يسري عمارة ورجالته بالضرب.. وضربوا ودمروا للعدو 73 دبابة في أقل من نص ساعة.
وفى أثناء تحركه بالمدفع الثقيل ال " ب -11 " اللى كان قاطره بمدرعة خاصة بزميله النقيب فاروق فؤاد سليم من مركز أجا دقهلية، لأن عربيته الجيب كانت انضربت. كان بيتحرك عشان يحصر خسائر العدو .. لحظتها فوجيء بوجود دم فى إيده.. ما حسش بطلقة الرشاش من شدة تركيزه في الحرب..وبيبيص يمين وشمال في استكمال الحصر.. شاف اللى ضربه.. جندي إسرائيلي .. صرخ بأعلى صوته لزميله فاروق سليم عشان يوقف المدرعة.. ونزل جري .. ورمى سلاحه وجري ناحية الجندي الإسرائيلي اللى كان ممكن يضرب النار على "يسري".. لكن الجندي الإسرائيلي كان في حالة ذهول وهو شايف البطل بيجري ناحيته بكل جرأة.. وأول ما وصله "يسري" مد إيده في جيب الجاكت ومسك خزينة سلاح كانت في جيبه ضمن المهمات ونزل بها على دماغ الإسرائيلي اللى وقع طبعا على الأرض .. وكان قريب منه تلاته عساكر إسرائليين في المكان.. اتعامل معاهم يسري واللى معاه، وبعدها ظهر لهم أربعة من الجنود الإسرائيليين بيبصوا من قلب حفرة.. بيتلصصوا، ولادنا قربوا منهم.. وساعتها بدأ الجنود الإسرائليين دول يصرخوا داخل الحفرة.. وقال يسري للعسكري اللى معاه بالمدرعة .. أكبس عليهم فى الحفرة بالمدرعة.. وهو هايروح يجيبهم.. راح عليهم من غير ما يكون معاه سلاح .. تخيلوا..
ومن بين هؤلاء الأربعة دول كان القائد الإسرائيلي (عساف ياجوري) وفِضل آسرهم و قاعد جنبهم وهما رافعين أيديهم مستسلمين لمدة ساعتين، كل دا وجرحه بينزف، يا دوب ربط الجرح وهو قاعد، وأصر زملائه إن يتم إخلائه قبل ما يدخل الليل أكثر خصوصا وإنهم على بعد 9 كيلو متر شرق القناه، لكنه رفض يسيبهم.. لكن إيده ورمت ، فأصروا يرجعوا بيه.
وتم نقله لمستشفيات: القصاصين ومنها لمستشفى الشهيد أحمد جلال وبعدها لمستشفى الحلمية، وهناك وصله الشكر من خلال رسالة أرسلها وزير الحربية بالشكر والعرفان للفرقة التانية وقائدها العميد حسن أبو سعده، والشكر لأبطال اللواء 117 بيشكرهم ويشكر النقيب الجريح يسري عمارة ومجموعته لأسرهم الجنود الإسرائليين ومنهم (عساف ياجوري).
وبعد فترة العلاج رجع للخدمة العسكرية على الجبهة.. ومنها جاله ترشيح للشرطة العسكرية وبعدها الشئون المعنوية لمده عام.. وانتقل منها لكية الضباط الاحتياط.. وكرمته الدولة بوسام النجمة العسكرية.
الأسير عساف ياجوري
التعليقات