(أنتَ تُشرق نيابةً عن قرص الشمس وتضئ نيابة عن ضوء القمر وتتلألأ كنجوم كل تلك المجرات فلا تدبر حتى لا تنطوى الشمس ويحتجب القمر وتتلاشى النجوم والمجرات وأتلاشى أنا معهم)..... تلك خاطرتى الأخيرة فما بين الحين والآخر أشتهى لذة تأتينى عقب كتابة خواطرى وومضاتى المحببة كثيرًا إلى نفسى،، أنا "حنين" البعضُ يطلقون علىّ "الجميلة الحالمة" وأحيانا أخرى "سيدة الطهى" لا أعلم أىُ لقب أستحقه ربما الإثنين، ربما لا شىء..
كنتُ منذ صغرى أعشق فنونًا رفيعة المستوى، أميل لكل ما هوراقى، تشدنى عروض الباليه بمختلف أنماطها، أرى السحر جله بحفلات الموسيقى العربية، أنصت لمعزوفات "عمر خيرت" حتى يتدغدغ وجدانى وتذوب مسامعى وأذهب لعالمى الآخر، عالم صنعه خيالى من أجلى، أهرب إليه حين يضيق عالمى وتكفهر دنياى، كثيرًا ما بغضت تقلباتى المزاجية، حين أتغير لتجهم مجهول، يغشى الوجوم ملامحى الهادئة، هنا يتورط مزاجى ما بين داخل لا أحد يعلم عنه شىء وخارج منبسط، لطيف، كل الود يبدوعليه، دائما تتورط الأحاسيس بين الكتمان والبوح، فكل هذا السكون يحمل أشياء لا علاقة لها بالكلام المعلن، نحن بمجتمع يا عزيزى، ليس من السهل أن نتعامل بشئ من الأنانية، اللامبالاة لا يجوز أن نصنعها من أجل الأعزاء، لكنها أحيانا تصبح مفيدة..
صبيحة يوم الجمعة كما تعودت، النهوض باكرًا، تجهيز وجبة الإفطار أول الأعمال المحببة لقلبى هذا اليوم، إنه لعالم آخر من عوالمى أن أنخرط بمربعى المفضل بين أدوات الطهى، وأبخرته المتصاعدة تدخل العقول وتقلبها فيستيقظ أبنائي المراهقين على روائح خرجت من "مطبخ سيدة الطهى" كما يزعمون، لكنى أرى أن ليوم الجمعة مذاق خاص فى كل شىء بدئًا من زقزقة العصافير بين أشعة الشمس وأنوارها، رائحة ذكية نفاذة تشع من "طبق الفول"، صوت "ثومة" يخرج من المذياع "يا صباح الخير ياللى معانا ياللى معانا الكروان غنى وصحانا" وتبدأ أحاديث الصباح، اليوم روى لى ابنى عن فتاة يشعر بميل عاطفى نحوها، كنت أتلقى كلماته بشىء من العبوس الخفى، لم تحتمل مشاعرى أن يصفها أمامى ويذكر محاسنها وتمنيه الإرتباط بها، كدت أجن حين قال:
- إنها أجمل بنت رأتها عينى أريد الإرتباط بها قبل أن يسبقنى غيرى ويتقدم لخطبتها.
- كيف سترتبط بها وأنت بهذا العمر ومازلت تدرس، ترى هل من المعقول أن أدخل بيوت العائلات لأخطب جميلة الجميلات لإبنى الطالب؟! أم أن تتزوجها ونقوم أنا ووالدك بإعطاكم المصروف؟!
- انت عصبية كثيرًا اليوم،، نتحدث لاحقا..
انصرفَ وبقيت بمطبخى أشعر بالغليان مثلما يغلى الطعام بالأوانى أمامى، إننى مثل بقية الأمهات شعرت بالغيرة على ابنى حين حدثنى لأول مرة عن أول فتاة أحبها ومن حينها ظليت حتى منتصف اليوم "لا أعطيه وجه" حتى هدأت وتذكرت أن والده شعر نحوى بمثل هذه المشاعر ذات يوم، أيضا سيأتى يوم ويتقدم لإبنتى شاب يحبها ويتبادلان الغرام وفجأة ابنتى بدأت تنادينى بنبرة لفتت انتباهي وأقلقتنى كثيرًا وهى تقول بإرتباك...
- أمى أنا هنا "بالحمام" أشعر بمغص شديد و.. و...
- وماذا؟! تكلمى ما بكِ ؟!
- آه.. أنا أنزف ولا أفهم شىء..
- هههه.. تنزفين!.. حبيبتى أنتِ دخلتِ عالم الأنوثة..
هكذا بقيت أحتضن ابنتى طيلة اليوم، أهدئ من روعها، أعد لها المشروبات الدافئة لتقلل من حدة المغص، أحدثها عن عالمها الجديد وكيف ستتعامل معه بعد أن أضحت فتاة ناضجة وصلت للبلوغ، كنتُ فرحة عندما أخبرت والدها أنها صارت بمصاف الآنسات البالغات، نسيتُ أننا كنا على خلاف وصل للخصام بضعة أيام.. كان آخر حديثنا:
- أنتِ تنسين أن لكِ رجلاً له حق عليك، ليس هناك ما يشغلك سوى أبنائك والمطبخ، دائمة الشرود، لا تتنازلين عن كلمة "أنا مُرهَقة".. أصبحتُ لا أطيق العيشَ معكِ هكذا، لا وجود لى بيومكِ .. "أين زوجك بين كل أشيائك المُرهِقة يا هانم؟"
- أنتَ كل ما يهمك نفسكَ فقط!.. هل تشعر ما أعانيه من الأساس؟ ألديك علم عما يفعله بى أبنائك منذ بداية اليوم إلى آخره؟.. لم تسالنى أبدا لماذا أبدومُرهَقة؟.. أنا فى طريقى لعامى الأربعين وأعمل يوميًا ما لا تقدر عليه إبنه العشرين، يتغير شكلى، يتبدل حالى، يخالط شعرى لون أبيض يفاجئنى بمرآتى، تتلخبط هرموناتى وتسبب لى التوتر والألم النفسى والجسدى، أتحمل ولا أشكونوباتك العصبية دون أسباب واضحة المعانى، سأريحك من وجودى وأذهب يوم الجمعة لبيت أهلى عقب امتحانات أولادى فلن اتركهم فى مثل ذلك الوقت، تحملنى فلن يتبقى الكثير...
لقد انغمست بمشاكل أولادها ومتطلباتهم أكثر من اللازم حتى نسيت أن اليوم هوالجمعة وعليها الإنصراف، ها قد خرج الأولاد مع والدهم بنهاية اليوم، وما ينبغى أن تجهز حقيبتها وتستعد للذهاب قبل عودتهم وانتهى الأمر.. انقضت ساعة لملمت خاصتها، ارتدت ثيابها، مدت يدها على مقبض باب الشقة لتفتحه والخيبات تهزمها، تكاد تطرحها أرضًا، بالفعل همت بفتح الباب بينما عيناها تنظر للأرض تراءت لها أقدام، رفعت عيناها بحذر وبطء، جاءوا للتومحملون بالهدايا، مقبلون بنظرات تحمل فى ثناياها الإمتنان والسعادة، اليوم هويوم ميلاد زهرة دارنا هكذا قال ولدها فى حين أقبلت ابنتها تحتضنها متمتمة "عيد ميلاد سعيد ".. وأقبل هوبخطوات حانية حاملاً زهور البنفسج التى تعشقها، مقتربًا منها يزيح دمعة لامعة سقطت من عين عاتبة، يتنهد قائلا: اليوم أتممتِ عامك الأربعين لكنى مازلت أراك حلوتى إبنة العشرين، كل عام وأنتِ بخير...
التعليقات