تُحدثنا الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبر عن بعض مشاعرها، تحدثنا عن ابنها البطل الشهيد: لواء مهندس أحمد حمدي عبد الحميد. فتحكي قائلة:
النهاردة هاتكلم عن ابني البطل مهندس العبور في حرب أكتوبر.. أيوه .. هو أحمد حمدي اللى اتولد يوم 20 مايو 1929 في مدينة المنصورة.. درس واتعلم لغاية ما اتخرج من كلية الهندسة – جامعة القاهرة – قسم الميكانيكا .. ودا كان في سنة 1951 .. والتحق بالقوات المسلحة بعد تخرجه مباشرة .. في شهر أغسطس سنة 51 وطبعا شاب في القوات المسلحة في التوقيت دا يعني عاش أحداث ثورة يوليو 1952 مع الضباط الأحرار وشال مسؤولية كبيرة معاهم والبلد بتتبني من جديد .. وفى سنة 1954 اتنقل أحمد حمدي لسلاح المهندسين، وفى التوقيت دا شارك في حرب 56 وأظهر وقتها بطولة واضحة لما فجر بنفسه كوبري الفردان حتى لا يتمكن العدو من المرور عليه و وقتها أطلق عليه زملاؤه لقب (اليد النقية) لأنه أبطل مفعول آلاف الألغام قبل انفجارها وكان معروف عنة مهارته وسرعته في تفكيك الألغام ودرّب أجيال من العسكريين في المجال، وبعدها حصل على دبلوم الدراسات الميكانيكية من جامعة القاهرة سنة 57 وكمان حصل على دورة القادة والأركان من أكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتي بتقدير امتياز .. ودا كان سنة 1961 ، وبعدها أخد دورة الأركان الكاملة بدرجة امتياز ، والدورة الاستراتيجية في أكاديمية ناصر العسكرية. واترقى في المناصب لغاية ما وصل لرتبة لواء.
الحقيقة إن ابني أحمد حمدي كان موسوعة علمية هندسية عسكرية في الميكانيكا والمعمار والتكتيك وكافة العلوم العسكرية ويتميز بعقلية صافية وذهن حاضر. وفى حرب 67 حصلت أحداث كتيرة طبعا واضطرت القوات للانسحاب من سيناء .. وقتها حصلت حاجة مهمة جدا لما استدعاه الفريق صلاح محسن قائد الجيش الميداني: وقال له: اسمع يا أحمد، بصفتك نائب رئيس الفرع الهندسي في المنطقة الشرقية.. ومن غير مقدمات.. إحنا عندنا كمية كبيرة جدا من الذخيرة والوقود والأسلحة والمهمات موجودة دلوقتي تحت إيد العدو .. مطلوب التخلص منها.. لا يمكن نسيبها للعدو يستفيد منها.. عاوز خطة مُحكمة.
وضع الخطة.. وتم التنفيذ بنسف المستودع الرئيسي للقوات المسلحة بسيناء الذي كان يضم كمية كبيرة من الذخيرة والوقود والأسلحة والمهمات والطعام ونسف خط أنابيب المياه الممتد من الإسماعيلية إلى عمق سيناء عشان ما يستفدشي منه العدو، دا غير إنه قدر يسحب بعض المهمات من مستودع على الشاطئ الشرقي للقناة ونقلها لغرب القناة وأعاد تنظيم وتجهيز الدفاعات. فهو صاحب فكرة نقط المراقبة على الأبراج الحديدية العالية على الشاطئ الغربي للقناة بين الأشجار، ونفذ معظمها بإيده واختار مواقعها بنفسه.
وفي سنة 1971، تم تكليف اللواء أحمد حمدي بإعداد لواء كباري جديد كامل وتشكيل وحداته وتدريبها لتأمين عبور الجيش الثالث الميداني، وتجهيز مناطق تمركزها على طول قناة السويس، وكان له فضل كبير في تحويل ساحات ومنازل إسقاط مهمات العبور، اللى بيستغرق انشاؤها يوم كامل لكباري اقتحام لا يستغرق بناؤها أكتر من كام ساعة. وفي خلال ساعتين من انطلاق الشرارة الأولى للحرب أكتوبر 1973 عبر 15000 من قوات المهندسين العسكريين إلى القناة.. وأولادنا الأبطال اللى عبروا القناة اشتغلوا فوق الساتر الترابي للضفة الشرقية للقناة، عشان يمهدوا الطريق لباقي الأبطال، وفي الموجة التانية عبرت 80 وحدة هندسية في قواربها الخشبية المحملة بالأفراد والطلمبات والخراطيم وخلافها من المهمات لفتح ممرات في الساتر الترابي، وكان البطل أحمد حمدي على رأس رجاله في الخطوط الامامية، وقضى ليلة 6 أكتوبر من غير ميه ومن غير أكل وبدون دقيقة واحدة يرتاح فيها.. فِضل ينتقل من معبر لآخر عشان يطمن على تشغيل معظم المعابر والكباري التي استغرق إنشاؤها وتجهيزها من6 إلى 9 ساعات زي ما كان مخطط له بالظبط بالرغم من محاولات العدو بمنع الانشاءات وتشغيل الكباري والمعديات، بالقصف المستمر أرضًا وجوًا لمناطق تمركز الوحدات وطرق تحركاتها .. لكن المخطط تم تحت قيادة البطل أحمد حمدي. دا غير إنه أشرف على انشاء عشر كباري تقيلة وعشرة غيرها للمشاة وعدد كبير من المعديات، مما اتاح لمعداتنا واسلحتنا الثقيلة إنها تعبر القناة في الوقت المناسب.
أحب أقولكم على حاجة مهمة .. الموضوع ما كانش سهل.. لأه .. معظم الكباري أصيبت بضربات من العدو .. وأعيد إصلاحها أكتر من خمس مرات.
وفى أثناء مشاركة ابني البطل أحمد حمدي في إصلاح أحد الكباري في نطاق الجيش التالت يوم 14 أكتوبر 1973 استشهد ليضرب أعظم مثل في الفداء والتضحية، وجاء بالتقرير العسكري الذي وضعته القيادة العليا عن معركته واستشهاده: "وجات له الفرصة التي انتظرها طويلا واللحظة التي طالما اعد نفسه لها واحسن الاعداد، عندما بدأت طلائع الزحف المقدس تعبر من الهزيمة إلى النصر على جسد من أشرف أجساد الشهداء، و رأت روحه الطاهرة ابناء الوطن يعبرون القناة ويتسابقون من أجل النصر أو الشهادة، وأدرك البطل قيمة تخطيطه لعمليات المهندسين العسكريين وكان إدراكه سليمًا لأهمية عمليات وحدات الكباري باعثا لبذل المزيد من الجهد، وتذليل كل ما يعترض طريق القوات العابرة من مصائب غير عابئ بما تتعرض له حياته من خطر تحت غارات الطائرات الإسرائيلية، ويشهد الرجال الذين كان لهم شرف العمل تحت قيادته بأنه كان دائما بينهم فقد أشرف على كل صغيرة بعملية كباري العبور وأسهم بجهده في إعادة إصلاح الكباري التي تحطم بعض اجزائها منذ الساعة صفر في معركة التحرير يوم 10 رمضان وبقي طوال ثمانية ايام حول الكباري لم يفارقها، وفي يوم 14 أكتوبر 1973 الموافق 18 رمضان قام رجاله بإعادة انشاء كوبري كان قد سبق فكه وذلك تقديرا منه على مدى أهمية عمليات الانشاء، فعندما ظهرت مجموعة براطيم غارقة بفعل تيار المياه.. قفز البطل أحمد حمدي إلى ناقلة برمائية من ناقلات السلاح قادها بنفسه وأمسك بها وسحبها بعيدًا عن منطقة العمل، ثم عاود مباشرة استكمال الكوبري بجوار جنوده قائدًا وزميلًا وجنديًا دون أن يبتعد عن منطقة العمل والخطر مدركًا أنه إن فاضت روحه فإنها تفتدي آلاف من الأرواح التي لا بد أن تصنع النصر للوطن، فأصابته الشظايا المتطايرة إصابة قاتلة واستشهد البطل بجانب الكباري فداء للمعركة ".
وكان طبيعي جدا إن القيادة العليا للقوات المسلحة تكرم الشهيد أحمد حمدي، فأطلقت اسمه على أول دفعة تخرجت من الكلية الحربية بعد معارك أكتوبر 1973 في يوم 2 يناير 1974، وأعلن وزير الحربية والقائد العام إهداء القائد الأعلى للقوات المسلحة سيف الشرف العسكري لأسرة الشهيد أحمد حمدي ومنح سيرته العسكرية نجمة سيناء من الطبقة الأولى تقديرا لبطولاته وعظمة تضحياته، وكمان أطلق اسمه على أول نفق يربط سيناء والسويس، وكمان على مدرسة في مسقط رأسه بالمنصورة، وعلي أحد شوارع العاشر من رمضان وأحد شوارع مدينة السويس الباسلة، واعتبرت نقابة المهندسين يوم استشهاده يوما للمهندسين.
التعليقات