تُحدثنا الأم (مصر) بلغة بسيطة تعبر عن بعض مشاعرها، تحدثنا عن ابنها البطل الشهيد: "عمرو طلبة".
تحكي قائلة: كنا عايشين بعد حرب 67 في ظروف صعبة... حاسين بمرارة غريبة، إحنا اتخلقنا كدا.. ما بنحبش الهزيمة.. وما نقدرش نحس بطعم الراحة إلا بعد ما نرجع حقنا.. هو دا إحساسنا كلنا كمصريين.. وفى الحقيقة كان دا شعور كل المنطقة العربية . ابني عمرو كان واحد من القوات المسلحة.. شاب زي الورد. كنا في سنة 1969 وجالنا عمرو في يوم.. وقال لنا أنا و والده" جيت عشان أسلم عليكم قبل ما أسافر..".. تسافر؟ تسافر فين يا عمرو؟! ويجيبهما عمرو : بعثة عسكرية.. بعثة مدة كدا في موسكو. وتسأله الأم: وأد أيه مدتها البعثة دي يا حبيبي؟ ليجيبها: زي ما تكون يا ماما.. أنا وهبت روحي وحياتي كلها مقابل تحرير تراب وطني.
وكانت دي آخر مرة نشوف فيها عمرو.. سافر زي ما كنا عارفين وقتها لروسيا.. سابنا أنا ووالده وخطيبته.. لكن دي كانت معلومات سرية جدا وقتها.. المكان اللى مسافر له والعملية اللى رايحها.. السرية التامة دي حتى عن أقرب الناس، من أهم الأساسيات عن الجهاز العظيم.. عند قواتنا المسلحة.. لكن اللى عرفته.. اللى عرفناه كلنا بعد كدا عن البطولة اللى عملها ابني.. يخليني أحكيها لكم بكل فخر.. طبعا.. ما أنا أم البطل.
البطل عمرو طلبة
عمرو سافر.. بس ما سافرش موسكو.. سافر اليونان.. العملية كانت كدا.. سافر ونزل هناك في اليونان باسم تاني وشخصية تانية.. عاش هناك باسم: موشي زكي رافئ، شاب يهودي، ما كانشي اسم وهمي.. موشي دا كان موجود فعلا هنا في مصر واتوفى في مستشفى في مصر، وفى اليونان فضل عمرو فترة يدور على شغل لغاية ما اتعرف على بحار يهودي، البحار دا سهل لعمرو شغل على المركب اللى هو بيشتغل عليها، وأقنعه بإنه يتقدم بطلب هجرة لإسرائيل، وبدأ عمرو يفكر في الموضوع أدامه، وكإنه يعني مش بيخطط هو والأبطال اللى معاه لخطوة زي دي.
وتم قبول الطلب وسافر عمرو لإسرائيل.. قعدوه فترة طويلة في معسكرات المهاجرين، اتحمل عذاب كتير وإهانات وإجراءات صعبة جدا، لكن كان أدامه هدف وحيد: مصر واسترداد الكرامة. وداخل المعسكر كانوا بيعلموهم اللغة العبرية عشان يعرف يتعايش مع المجتمع الإسرائيلي. وهناك اتعرف على راجل عجوز اداله عنوان واحد من قرايبه في القدس عشان يوفر له فرصة عمل بعد خروجه من المعسكر، وفعلا.. بيخرج عمرو من معسكر المهاجرين وبيبدأ مشوارة بالعمل في مستشفى في القدس وفيها اتعرف على دكتور وبقوا أصحاب جدا لدرجة إنهم عاشوا في سكن واحد، ولما الدكتور دا اتنقل لمستشفى بعيدة، اتنقل عمرو لتل أبيب وهناك اشتغل في مكتبة، وقربت منه صاحبة المكتبة، ست كانت متصابية، سلمته كل الأمور في المكتبة، ودا اللى خلى كل العمال يحقدوا عليه.
وفى فترة شغل عمرو في المكتبة في تل أبيب وطبعا اسمه "موشي زكي رافئ" اتعرف على عضوة بالكنسيت الإسرائيلي اسمها "سوناتا" وأعجبت بيه جدا.. ما هو يا حبيبي كان جميل.. العمال في المكتبة استغلوا الفرصة وبلغوا صاحبة المكتبة، وطبعا انفعلت وثارت وطردته من المكتبة، ومش بس كدا.. دي بلغت المخابرات الحربية الإسرائيلية إنه متهرب من الخدمة العسكرية، وقبضوا عليه عشان ينضم للجيش الإسرائيلي.
لكن "سوناتا" عضوة الكنسيت الإسرائيلي استغلت نفوذها وخلتهم افرجوا عن عمرو وكمان عينوه في موقع خدمي قريب من تل أبيب، يشتغل كمراجع الخطابات اللى بيبعتها الجنود في الجيش الإسرائيلي، باعتباره يهودي عربي بيعرف يقرأ باللغة العربية، وهنا بقى بدأ يشتغل في المهمة اللى كان طالع عشانها.. بدأ يعرف معلومات كتيرة من قلب الجيش الإسرائيلي والمخابرات المصرية اللى معاه خطوة بخطوة بعتوا له، في عملية مخابراتية صعبة جدا، جهاز لاسلكي عشان يستخدمه في إرسال المعلومات اللى عنده للقيادة المصرية، ويبدأ تدفق سيل من المعلومات شديدة الخطورة والأهمية للقيادة المصرية.
ومع اقتراب العد التنازلي لحرب أكتوبر المجيدة وحاجة القيادة المصرية لمعلومات عن مواقع الرادارات ومنصات الصواريخ الإسرائيلية تم إصدار الأوامر لابني البطل إنه يعمل مشكلة كبيرة مع "سوناتا" عضوة الكنسيت، وفعلا.. غضبت وثارت واستخدمت نفوذها وتم نقله لمنطقة مرجانة في سيناء وبدأ عمرو في إرسال المعلومات المهمة وشديدة الخطورة عن مواقع الرادار والصواريخ المضادة للطائرات ومخازن الذخيرة ومواقع الكتائب الإسرائيلية.. وقامت حرب أكتوبر المجيدة.
ومع انهيار التحصينات الإسرائيلية تم نقل الكتيبة الإسرائيلية اللى فيها عمرو.. فيها عمرو باسم : موشي زكي رافئ.. تم نقلها لخط المواجهة مع القوات المصرية. وهنا عرفت القيادة المصرية من برقية بعتها عمرو إنه موجود في كتيبة إسرائيلية في مواجهتهم.. يعني ممكن يضربوها وهو معاهم.. عشان كدا اتصلوا بيه وطلبوا منه تحديد وجهته ومكانه بالتحديد، ومافيش وقت للبرقيات وفى تنقلاته الأخيرة ما كانش طبعا ينفع ياخد معاه جهازه اللاسلكي اللى وصله قبل كدا من المخابرات المصرية، لكنه قدر يعثر على جهاز إرسال صوتي وقدر يظبطه على موجة القيادة المصرية.. مش باقولكم بطل.. وبدأ يبعت رسايل للقيادة من قلب المعركة.. من قلب القوات الإسرائيلية، والقادة في مصر بيسألوه يحدد مكانه خصوصا إنهم سامعين أصوات ضرب نار ومعارك شغاله، وهو خاف لو قالهم على مكانه إنهم يوقفوا الضرب.. وبعد إلحاح كبير قالهم إنه موجود في القنطرة شرق وفى نفس اللحظة اللى قال فيها هو موجود فين حصل انفجار كبير.
وتوقف صوت ابني الشهيد عمرو طلبة للأبد، ابني اللى فضل الشهادة في أرض المعركة وإن قواتنا تستمر في تقدمها وانتصاراتها.. ومات البطل بعد عملية استمرت سنين على رمال سيناء في منطقة القنطرة في الأيام الأولى لحرب أكتوبر المجيدة 73.
وفى نفس الليلة أبطالنا ركبوا طيارة هليكوبتر واقتحموا خطوط العدو وبدأوا عملية عسكرية صعبة جدا لغاية ما قدروا يوصلوا لجثة الشهيد عمرو طلبة ويرجعوا بيها.. عشان نستلمها ونعرف كل تفاصيل بطولة ابننا.. عشان أفضل أقول لغاية النهاردة أنا (أنا مصر) أم البطل.
التعليقات