كان من المألوف أن نرى المثقف أكثر هدوءاً ورزانة، وأصبح من المألوف رؤية حالات الشغب بين أكثر الشعوب ثقافة.
تعد فرنسا علما بارزا في الثقافة في جميع المجالات، وخاصة الفنون التي تهذب الروح والوجدان، فعُرفت الفترة الممتدة من القرن السابع عشر ومرورا بالقرن الثامن عشر بعصر العقل أو التنوير، علم وموسيقى ورسم وتأليف؛ فظهر رينيه ديكارت عالم الفلسفة والفيزياء والرياضيات والذي تُبنى على أطروحاته الفلسفية أسس الدراسة في كليات الفلسفة إلى يومنا هذا، وظهر فرانسوا كوبران الملقب بالعظيم؛ حيث يعد أكبر أساتذة البيانو القيثاري في فرنسا، كما اشتهر بمؤلفاته ونوتاته الموسيقية، وظهر موليير أحد أهم أساتذة الكوميديا في تاريخ الفن المسرحي الأوروبي، وفيكتور هوجو من جاء بالرومانسية للوقوف أمام سيل الكلاسيكية والعقلانية، وغيرهم الكثير.
ودعنا لا ننسى المعماريين الفرنسيين الذين برعوا... فتركوا مباني باقية إلى اليوم في كامل رونقها مثل كاتدرائية نوتردام، وبفرنسا متحف اللوفر وقصر فرساي والكثير من المباني الموجودة تحت حماية وزارة الثقافة الفرنسية، مع ضمها رابع أكبر قائمة من حيث مواقع التراث العالمي لليونسكو؛ ليصل عدد زوارها إلى ما يتخطى الثمانين مليون سائح أجنبي، وهذا رقم لم تصل إليه أي دولة أخرى.
من يعتنق دينا -سماويا كان أو غير سماوي- سيحمل تعاليمه ومبادئه في قلبه وعقله، ومن ترك الدين وأخذ يثقف ذاته من التاريخ مرة ومن بحثه عن أكثر الصفات والسلوكيات قدرة على بناء الحضارة وتحقيق الرقي مرة؛ سيصل وحده إلى ما أمرت به الأديان، فلم تأمر الأديان السماوية إلا بما فيه خير للبشرية.
إذاً فلا فرار لشعب مثقف من اقتناء المبادئ والأخلاق الحميدة، ومن يمتلك الخلق الحميد يسر على خطاه اقتناعا وليس خوفا من العقاب، لذا أصبح من المثير للحيرة رؤية الشعب الفرنسي فيما نُشر من صور عن استغلال المواطنين لحالة الانفلات الأمني واقتحامهم محال أكبر وأغلى الماركات لأخذها بلا مقابل مرسلين أكبر صيحات الفرح والسرور بما يحدث، مخربين لكل شيء أمامهم وهم في غفلة عن كون ما يدمرونه هو بالأصل ملكهم، فكيف أُعميت أعينهم وسكتت ضمائرهم بثقافتهم تلك التي سبق وأن تنافسوا في إذاعة صيتها لسنوات حتى حفظناها وأصبحت تتناقل إرثا من جيل إلى جيل؟!
عندما يكون للدولة تاريخ استعماري طويل يُصبح من الصعب على الشعوب تقبلهم كأناس أصحاب وجدان ومبادئ، ولكن هذا ليس بصحيح فالغرض الاستعماري لم يكن سفك الدماء أو إحداث الخراب بل على العكس؛ فهذا مبدأ انتشر في أوروبا وآمنوا به وسعوا من أجل تحقيقه، وهو أن الجنس الأبيض هو القادر على بناء الحضارة وتحقيق التقدم على عكس الأجناس الملونة؛ فأرادوا أن يأتوا ويأخذوا الأرض ويديروها فلا يبقى على عاتق الشعب الأصلي سوى السعي لمجرد أن يبقى على قيد الحياة.
لنصل إلى أن وجود الوعي الذي يحتم التصرف بطريقة محددة لا يكفي للإمساك بزمام الأمور، فبعد نشر الوعي وجب سن القوانين والتجريم ولو كان على الشعب الفرنسي.
التعليقات