تقدم بعض الشركات المتخصصة في تنظيم الجنازات بالصين، إمكانية التفاعل افتراضياً مع الأشخاص المتوفين أثناء جنازتهم اعتمادا على الذكاء الاصطناعي! وتتيح شركات لزبائنها إمكانية البقاء على اتصال افتراضي مع أشخاص فارقوا الحياة، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي حيث توظف شركة «سومنيوم سبايس»، في مقرها بلندن، الميتافيرس لصنع نسخ افتراضية عن المستخدمين خلال حياتهم، ليكون لهم وجود خاص، بدون تدخل بشري، في هذا العالم الافتراضي بعد وفاتهم!! وهكذا تتفاعل التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في مختلف شئون الناس من الميلاد إلى ما بعد الموت!! متضمنة كل مجالات الحياة كالتعليم والنقل والزراعة وصناعة والإعلام والطب غيرها.
وفي كل هذه المجالات فإن أي خطأ في التطبيق او اتخاذ القرار قد ينجم عنه كوراث خطيرة، فقد تابعنا منذ أيام قصة الطائرة المسيرة التابعة لسلاح الجو الأميركي،المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي قررت، قتل مشغليها لكيلا يتدخلوا في جهودها لإكمال مهمتها!! وبغض النظر عما اذا كانت الواقعة حدثت في تدريب حقيقي ام أنها وقعت في تجربة المحاكاة، فالنتيجة لا تختلف كثيرا عن نتائج تحليل قام به باحثون لعدد من الحوادث التي وقعت في السنوات الأخيرة (منها تحطم قطار في إسبانيا سنة 2013، ورحلة الخطوط الجوية الفرنسية 447 سنة 2009، ورحلة الخطوط الجوية آسيانا 214 عام ،2013) حيث تبين أن سببها يعود إلى تغول الذكاء الاصطناعي، وأن استراتيجيات التحكم باستخدام الذكاء الاصطناعي لم تكن مشابهة لتلك المستخدمة من جانب مراقبين من البشر.
وسط كل ذلك تصاعدت خلال الآونة الأخيرة صيحات خبراء ورؤساء شركات تكنولوجية كبيرة مثل رؤساء "أوبن إيه آي" و"غوغل ديبمايند"، يحذرون من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انقراض البشرية، كما اصدر مركز أمان الذكاء الاصطناعي (Centre for AI Safety) بيانا تحذيريا مستخدما فيلم WALL-E (وال-إي) الذي أنتجته شركة بيكسار كمثال على مخاطر الذكاء الاصطناعي. لافتا الى أن البشرية "ستصبح معتمدة اعتمادا كاملا على الآلة، وهو سيناريو شبيه بقصة الفيلم، الذي يصور البشر على أنهم حيوانات سعيدة لا تقوم بأي عمل، بينما تتولى الروبوتات كل الأعمال التي يحتاجونها. لذلك طالب علماء ومنه د. خوسيه ديلجادو، المتخصص بعلم النفس التجريبي بجامعة غرناطة ، بأن يكون للإنسان السيطرة الكاملة على سلوك ونتائج تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
فهل يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري ؟ هذا سؤال محور جدل كبير، البعض يتخوف من ذلك والبعض ينفي، ولكن الجميع يرى ان الحل يكمن في أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، لذا بادرت اليونيسكو بإصدار توصياتها بشأن التحديات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي قبل نحو عامين، وفي الوقت نفسه هناك أكثر من 40 دولة تعمل مع هذه المنظمة لتطوير ضوابط الذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني.
ودعت المنظمة الأممية جميع البلدان للانضمام إلى الحركة التي تقودها لبناء «ذكاء صناعي أخلاقي»، مشيرةً ، إلى أنه سيتم تقديم تقرير عما تحقق في هذا الإطار، خلال منتدى اليونيسكو العالمي حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بسلوفينيا في ديسمبر المقبل.
فهل العالم على مشارف بناء حضارة جديدة تعتمد على الآلات ويضطلع الذكاء الاصطناعي فيها بالدور الأكبر في ظل مخاوف حقيقية من تراجع دور البشر في صناعة تلك الحضارة؟ وهل ينتهي بنا الحال الى ما فعله آخر ملوك الأندلس، ففي غضون اسابيع قليلة ستمر 530 عاما على مقولة: (ابكِ كالنساءِ ملكاً لم تدافع عنه كالرجال).. التي تنسب لـ عائشة أم الأمير أبو عبد الله محمد الثانى عشر، آخر ملوك الأندلس الذى سلم غرناطة للملك فرناندو والملكة إيزابيلا، لينهي 7 قرون من الحكم الإسلامى هناك، الذي اسس خلالها معالم حضارة يتغنى بها العالم حتى اليوم. في يوم 7 أغسطس سنة 1493 وقع الملك أبو عبد الله ، اتفاقية مع ملك القشتاليين، باع له الأول بمقتضاها كل أملاكه فى الأندلس ثم غادرها وبكى وسمع من أمه المقولة الشهيرة!.
أخشى ان يكرر الناس مثل هذه المقولة بعد أقل من قرن ،عندما يجدون أنفسهم مهمشين في حضارة صنعتها تقنيات الذكاء الصناعي ويساقون كالأغنام على أطلال إرث حضاري لم يدافعوا عنه كبشر!
التعليقات