أقوياء نحن، لا تبدو علينا الانهزامات، فقد تعلمنا أن الأشياء حولنا قد تتبدل وتتنكر في شكل أفعال صنعتها قسوة الظروف والمحن. ما عدتُ أستطيع المقاومة، فما بيني وبينه أصبح هشاً للغاية حين رأيته للمرة الأخيرة وهو بأحضان تلك الحسناء اللعوب. لا، لا أستطيع الكلام. حتى التفكير أرهقني كثيراً. ما عدت المرأة ذات الدهاء والمكر التي تحاول التفريق بينهما كما كنت أفعل بالسابق.
لا يستحق أن أحارب من أجله وأقاوم كل تلك المقاومة. منذ أن بدأنا معا من قاع المدينة حتى وصلنا إلى أعلاها، حاربنا كثيرًا معا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. سأفعل فقط ما يقوده إلى الجنون وسنرى العبرة بالنهاية. فذات الصباح لن يشرق من جديد وأنا أدبر من بدايته كيف يكون لي وحدي. منذ الآن، لم يعد لي.
لقد تخليت أخيرا وفككت القيد. أتذكر جيداً ذلك اليوم حين جردت خزنة نقوده بالكامل بعد أن أحدثت عطلاً بكاميرات المراقبة في المنزل وذهبت للاستجمام في جزر المالديف وتركته للظنون. هل من قام بالسطو على خزنته هي الحسناء الشقراء؟ أم السمراء ذات القوام الممشوق؟ لن تجدي نفعاً كل محاولاته في البحث عن السارقة. ترى من فيهن؟ لقد أخفيت كل معالم الجريمة المضحكة واستطعت بالحيل أن أقذف بعقله الريب والشكوك.
"جميل"، رجل الاستثمار حديث العهد، لا أعلم أي الطرق أودت به إلى عالم رجال الأعمال، ربما طرق مشروعة أو غير ذلك، ولكن بالنهاية أصبح جميلًا بك، ذا هيبة ملفتة للأنظار. لا يعلم بحقيقة "جميل" سوى زوجته الشديدة الذكاء والحنكة.
إنه على موعد مع القدر، أو إذا صح التعبير، أصبح بقبضة يد زوجته التي تراه بكل وضوح دون دراية منه. لن يخطر بذهنه ما كانت تكيده وتدبره من أجله. فتخيل كيف أعدت له حفلة عيد ميلاده الصاخبة ودعت كل حسناواته الجميلات، فهي تعرفهن جميعًا وتجهزت لأخذ الصور التذكارية معه بكل سلاسة وراحة. لم يشعر حينها بنظرات عينيها الثاقبتين التي كانتا بمثابة نافذتين لجحيم جهنم. صحيح، إن كيدهن عظيم. يا لك من مهزوم يا جميل الطلة. ها هي إحدى الشقراوات قادمة للطاولة حتى تلحق لأخذ تذكار فوتوغرافي مع "جميل" وزوجته.
إن الأصباغ والألوان لم تترك مكانًا في وجهها إلا وخربته، ولكنها على أي حال تظل امرأة بكل معالم وقياسات الأنوثة. مرت الليلة بسلام، ولكن هناك حرب داخلية توجد بعقل الزوجة التي طالما تتظاهر ببعض الغباء، وهي تمتلك ما يكفي الكون من رجاحة العقل. استيقظت ذات صباح على إنهيار مصطنع، على أنها فقدت بصرها إثر وقوعها وارتطام جبهتها بالحمام، طبعًا بالاتفاق المسبق مع طبيب العيون الذي أغدقته بالمال حتى يقنع زوجها أنها فقدت بصرها بسبب الحادث، وأنها لن تستطيع الرؤية في الوقت الحالي.
وهكذا بدأت تراوغه بصمت، هي ترى كل حدث، كل كبيرة وصغيرة. ترى الحسناوات في منزلها بكل وضوح، تضحك وليلا تبكي. تقسم على الانتقام، ولكن بتكتيك ودهاء، حتى سنحت لها الفرصة. قامت بتصوير مستندات مزورة لزوجها. إنه النصاب المحترف ذو الهيئة الذي لا يمكنك تصور هذه الأشياء عنه. كما يقولون، "وقع في شر أعماله".
وأتتها فكرة تسجيل اعترافاته بأشياء غير قانونية وهو بأحضان إحدى العشيقات التي جندتها بنفسها، وعلمت منها أنه يدبر ليجعلها تمضي له بالتنازل عن ممتلكاتها وأنه سيضعها فيما بعد في دار "العجزة" "الذين فقدوا بصرهم"، فهو يرى أنها ستكون بأمان معهم. ذلك هو المكان الطبيعي لها.
لكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لم يتوقع أبدًا قدوم الشرطة إلى منزله ونظرات زوجته التي تنم عن البصر والبصيرة، وهي تقول له: أنا في صرامة وجدية من أمري، ولكن يغلبني الضحك الهستيري وأنا أتخيلك وأنت مجرد من كل ممتلكاتك. مرتديًا البدلة الزرقاء، ستليق بك عزيزي الجميل، ولكني سأكون منصفة وأترك لك سراويلك الداخلية. يمكنك أن تبيعها لاحقا وتبدأ من جديد.
التعليقات