الصهاينة أسروني في 67، وثأرت منهم في أكتوبر"... كانت هذه أحلى كلمات العريف مقاتل أحمد السيد حشيش، أحد أبناء قرية ميت ربيعة بمركز بلبيس، محافظة الشرقية، الذي رحل عن عالمنا منذ ساعات.
التقيته عام 2018 برفقة الزميل الصحفي حسن عصام الدين، وسألته عن الماضي فقال: "شاركت في حرب اليمن وشاهدت هناك أهوالاً كثيرة وتعرضت للموت عدة مرات، ولكن الله سلم. وأثناء خدمتي في سيناء وقع عدوان 1967. وأثناء الانسحاب، ظللنا نمشي في الصحراء، أنا وثلاثة من زملائي، ثلاثة أيام دون ماء أو طعام وبعد أن اقتربنا من الموت... عثر علينا أحد الرجال من بدو سيناء، أنقذنا وأخفانا في بيته وقدم لنا الماء والطعام. ثم خرجنا نحاول العودة عبر قناة السويس، ولكننا وقعنا في الأسر... وأثناء الأسر، كان اليهود يقدمون لنا قطعة واحدة من البسكويت الجاف وشربة ماء واحدة طوال اليوم حتى نبقى على قيد الحياة حتى ينظروا في أمرنا. وطلبوا منا باللغة العربية أن نسب جمال عبد الناصر، ولكننا جميعاً رفضنا وقلنا: يحيا عبد الناصر! واحتسبت نفسي شهيداً في سبيل الله... ولكن حدثت المفاجأة، حيث جاءت قوات الطوارئ الدولية ومعها سيارات الإسعاف لنقل الجرحى وبعض الحالات الصعبة تحت نظر القوات الإسرائيلية. وألهم الله أحد زملائي لحيلة غريبة، حيث قطع قماشة من بنطلونه ثم جرح نفسه جرحاً بسيطا ولطخ القماشة بالدم، وكذلك فعلت مثل زميلي وتظاهرنا بالإصابة وأخذنا نصرخ ونتأوه. ثم انحشرنا وسط زملائنا المصابين، فحملنا جنود الطوارئ الدولية ووضعونا في سيارات الإسعاف وعدنا لمصر بعد أن كتب الله لنا عمراً جديدا.
وبعد عودتي انضممت لسلاح المدفعية تحت قيادة الفريق الماحي، رحمه الله. ويوم 6 أكتوبر 73 الساعة 12 ظهراً جاءت الأوامر بالاستعداد للحرب بعد ساعتين، ورغم وجود فتوى بالإفطار إلا أنه لم يفطر واحد منا وعزمنا على النصر أو الشهادة ونحن صائمون. وكنت ضمن طاقم مدفع على شط القناة. في الساعة الثانية ظهراً كنا أول سلاح يبدأ المعركة حيث أطلقنا عشرات الآلاف من الدانات والقنابل على الضفة الشرقية. وبعدها بدقائق عبر الطيران فوق رؤوسنا إلى هناك وتحولت سيناء إلى جحيم على رؤوس الإسرائيليين. فأخذنا نقفز في الهواء من شدة الفرحة. ثم رأيت رجال الصاعقة والمشاة يعبرون القناة في القوارب المطاطية وكلنا نصرخ: الله أكبر! الله أكبر! وبعدها بساعات عبرنا القناة وتمركزنا على الشاطئ الشرقي لحماية ظهر قواتنا المتوغلة في عمق سيناء. وكانت أسعد لحظة في حياتي عندما رأيت جثث الآلاف من الإسرائيليين ممزقة ومتفحمة على رمال سيناء وخط بارليف الذي تحول على أيدينا إلى كوم تراب بعد أن رفعنا فوقه علم مصر. وبعد حرب أكتوبر وانتهاء خدمتي العسكرية تم تعييني موظفاً بالتربية والتعليم حتى خرجت للمعاش عام 2000.
سألته: ماذا تتمنى؟ هل تطلب التكريم أم العلاج؟ أم ماذا؟ قال: لا أطلب إلا من الله أن يرحم زملائي من الشهداء الذين انتقمت لهم ويرحم قائدنا الشهيد محمد أنور السادات. وقبل أن يرحل شهر رمضان بأيام قليلة، رحل عم أحمد أبو حشيش عن عمر 83 عاماً. عليه سحائب الرحمة والرضوان.
التعليقات