في عام ١٨٩٥، في أحد مقاهي باريس كانت ليلة ميلاد السينما في العالم؛ حيث أول عرض سينمائي، وفي يناير ١٨٩٦ أي بعد بضعة شهور كان أول عرض سينمائي في مصر في أحد مقاهي الإسكندرية وفي الشهر نفسه كان العرض الثاني في محافظة القاهرة.
وتم إنشاء أول استوديو للتصوير السينمائي وتأسيس شركات الإنتاج في وقت ليس بطويل على بدء صناعة بهذا الحجم من العدم، ولكنه كان الشغف كان الحب الذي عشش في قلوب المصريين بمجرد رؤيتهم للسينما لأول مرة فظهر أول مخرج وأول ممثل وأول ممثلة وكأنهم كانوا ينتظرونها متأهبين.
فكان لمصر نصيب من السينما الصامتة ثم جاء الفيلم الناطق مجاراة لتطور السينما في العالم، فلُقبت بهوليود الشرق لتصبح صاحبة أكبر رصيد سينمائي في إفريقيا والمنطقة العربية، فكانت قبل أن يكونوا بسنوات طوال، فالقصص والروايات التي قدمتها السينما المصرية في بدايتها هي ما يتوصل لها الآخرون الآن ويظنون أنها اكتشاف، فعلى سبيل المثال رحبت الجماهير في العام الماضي بالفيلم التركي "بين أيد أمينة" ولاقى نجاحا باهرا؛ لنجده وباختلافات لا تُذكر النسخة التركية من الفيلم المصري "رسالة من امرأة مجهولة" عن قصة قصيرة للأديب النمساوي شتيفان تسفايغ والذي تم إصداره قبل النسخة التركية بستين عاما. واستمر هذا النجاح في السينما والتليفزيون إلى بداية الألفية الثالثة ويُقال تحديدا ٢٠٠٨.
فلا استغراب من نقد موجه لأي عمل يُعرض اليوم سواء في السينما أو التليفزيون، لأن الماضي حاضر بقوة في الأذهان، لأن المقارنة صعبة، لأنه لوقت معين كانت مسلسلات رمضان هي الشهد والدموع وليالي الحلمية وزيزنيا والليل وآخره ولن أعيش في جلباب أبي، فعبقرية وعظمة الماضي تفوز بالتذكية على أي مجهود حاضر. فأين كنا وأين أصبحنا؟!
يُمدح الآن الممثل الذي يسمح بأخذ مشاهد لتعابير وجهه من قريب، حيث نجد أن بعض الأعمال تؤخذ بالصورة الكاملة البعيدة عن كل عين ووجه، مع أن المتعارف عليه هو وجوب المزج بين كليهما في العمل نفسه مثلما يحدث الآن في العالم كله.
ظهر في بداية السينما ما يعرف "بالواقعية الإيطالية الجديدة" حيث بداية فكرة التصوير الخارجي لمناظر الشوارع بعيدا عن الاستوديو المغلق؛ جاءت لتوثيق معاناة الطبقة الفقيرة في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، فاعتمد المخرج على ممثلين غير محترفين من أجل تحقيق واقعيته وتسليط الضوء على القضية أكثر من سلامة الأداء، وهناك تقديم الدراما العادية التي تتطلب ممثلين محترفين لتأدية الأدوار والتأثير في الجمهور، ولهذا جمهوره ولهذا جمهوره، ولكن ماذا نطلق على عمل يجمع بين الدراما والممثلين غير المحترفين؟ وأين سنجد لتلك الأعمال جمهورا؟
منذ بداية ظهور الفن السابع ويُعامل المخرج معاملة الأديب والعالم والفنان، فكان هو القلب النابض للعمل صاحب الرؤية الظاهرة للناس؛ فيمكن للقصة نفسها الظهور في عملين لكل منهما مخرجه فأحدها يسلط الضوء على الضحية ومعاناتها والآخر على الجاني وما فعلته به الأيام ليصل إلى ما عليه اليوم ولكليهما النجاح والتقدير، ولكن هذا يحتاج إلى نية خالصة لخدمة الفن، إلى روح عاشقة للفن، هذا لن يحدث بمخرج اختار الفن كمصدر رزق أكثر من مصدر إلهام، حينما تشتت بمصالحه ومصالح أسرته، حينما استعمل طريقة القص واللزق في الأحداث لتكبير دور ابنته وزوجته ضاع العمل وضاعت السينما فضاع الفن.
فعلى الرغم من كون السينما اليوم من أكبر مصادر الدخل القومي يجب الاعتراف بأن لها أهداف أهم، السينما للتوثيق السينما للتعريف السينما للتثقيف السينما قادرة على غرس فكرة في القلوب وهذا أصعب من السيطرة على العقول.
فالسينما لم تُخلق لتكون مجرد وسيلة للترفيه.
التعليقات