نشأ صلاح الدين الأيوبي في دمشق وبعلبك، ففي الليلة التي ولد فيها، انتقلت عائلته إلى حلب حيث دخلوا في خدمة الحاكم التركي القوي في شمال سوريا آنذاك، عماد الدين الزنكي بن آق سنقر. وتميز حينها الأيوبي بميله إلى الدراسات الدينية وابتعاده عن التدريبات العسكرية.
كان والده أيوب وعمه شيركوه قادة عسكريين من النخبة تحت قيادة عماد الدين زنكي. بعد نشأته في دمشق وترقيته في الرتب العسكرية، انضم الشاب صلاح الدين الأيوبي إلى الجيش بقيادة عمه شيركوه، الذي خدم نور الدين زنكي ووريثه في رحلة عسكرية إلى مصر.
بعد وفاة شيركوه سنة 1169م، تم اختيار صلاح الدين خلفاً له في قيادة قوات نور الدين في مصر. كما تم تعيينه وزيراً للخلافة الفاطمية المنهارة التي حكمت مصر في ذلك الوقت. ومع وفاة آخر الخلفاء الفاطميين سنة 1171م، ألغى الأيوبي الخلافة الفاطمية وضم مصر إلى الحكم الزنكي، فازدادت مكانته وشعبيته.
انتقل فيما بعد إلى سوريا مع جيش صغير، ومن سنة 1174م إلى 1186م سعى إلى توحيد جميع الأراضي الإسلامية في سوريا وشمال بلاد ما بين النهرين وفلسطين ومصر، وفقا لمعاييره الخاصة.
وقد نجح بتوحيد الأراضي الإسلامية بفضل حكمته ودبلوماسيته واستخدامه للقوة العسكرية عند الحاجة؛ ونمت سمعته كحاكم كريم، ولكن حازم في الوقت ذاته.
عرف عمل صلاح الدين الأيوبي بالتفاني الشديد وفكرة الجهاد والحرب، وانتشار المؤسسات الدينية الإسلامية. سعى إلى جمع العلماء، وأسس الكليات والمساجد وكلّفهم بكتابة الأعمال لا سيما تلك التي تحكي عن الجهاد.
توفي نور الدين زنكي سنة 1174م، وشن صلاح الدين حملة للسيطرة على الأراضي التي كان يحكمها. كما سعى إلى تأسيس نظامه كلاعب عسكري رئيسي قادر على تحدي الدول الصليبية الأربع التي يسيطر عليها الغرب.
كسلطان لمصر، عاد صلاح الدين الأيوبي إلى سوريا وتمكن من الإستيلاء على دمشق وحلب والموصل؛ كما غزت قواته اليمن، مما مكنه من إحكام سيطرته على البحر الأحمر بأكمله.
بالإضافة إلى مآثره العسكرية، سعى إلى بذل جهود دبلوماسية لتحقيق أهدافه، تزوج من "عصمت"، أرملة نور الدين، وهي ابنة الحاكم الدمشقي الراحل أونور، مما ساعده على اكتساب الشرعية من خلال الإرتباط بسلالتين حاكمتين. وقد حصل على دعم إسلامي واسع من خلال إعلان نفسه قائد الجهاد للدفاع ضد الحملات الصليبية.
نجح الأيوبي في قلب ميزان القوة العسكرية لصالحه، إذ قام بتوحيد وتأديب عدد كبير من القوات.
وعندما تمكن سنة 1187م من إلقاء قوته الكاملة في الصراع مع الممالك الصليبية اللاتينية، كانت جيوشه متساوية معهم.
في السنة نفسها، حاصر صلاح الدين جيشاً الصيليبيين بالقرب من طبريا في شمال شرق فلسطين. كانت الخسائر في صفوف الصليبيين كبيرة لدرجة أن المسلمين تمكنوا بسرعة من اجتياح مملكة القدس. وفي غضون 3 أشهر، سقطت عكا وتورون وبيروت وصيدا والناصرة وقيصرية ونابلس ويافا وعسقلان بين يدي جيوشه.
بعد عقد من القتال ضد الفرنجة (صليبيو أوروبا الغربية)، استعد صلاح الدين لشن هجوم سنة 1187م من خلال تجميع القوات من جميع أنحاء مملكته جنوب دمشق وأسطول مصرى في الإسكندرية. التقى جيشه بالفرنجة في اشتباك ضخم في حطين، بالقرب من طبريا وهزمهم.
تبع النصر في معركة حطين سلسلة من الإنتصارات السريعة في جميع أنحاء القدس، وبلغت ذروتها عندما استسلمت مدينة القدس لجيش صلاح الدين الأيوبي بعد 88 عاماً تحت السيطرة المسيحية. وعلى الرغم من أن صلاح الدين خطط لقتل جميع الفرنجة في القدس انتقاماً لمذبحة المسلمين التي حصلت سنة 1099م، إلا أنه وافق على السماح لهم بشراء حريتهم بدلا من ذلك.
في ذلك الوقت، كانت قوات صلاح الدين سيطرت على عدد من المدن الهامة الأخرى من الصليبيين، بما في ذلك عكا وطبريا. لكن، لم ينجح في الاستيلاء على صور، تلك القلعة الساحلية التي انسحب إليها معظم الصليبيين الباقون على قيد الحياة بعد هزائمهم.
في أعقاب استيلاء صلاح الدين الأيوبي على القدس، دعا البابا غريغوري الثالث إلى، حملة صليبية جديدة لاستعادة المدينة.
حشدت القوات الصليبية في صور لإطلاق الحملة الثالثة بقيادة 3 ملوك فريدريك الأول "بربروسا"، الملك الألماني والإمبراطور الروماني المقدس، الملك فيليب الثاني ملك فرنسا وريتشارد الأول "قلب الأسد" لإنجلترا.
حاصر الصليبيون عكا واستولوا عليها سنة 1191م مع جزء كبير من البحرية التابعة لصلاح الدين. وعلى الرغم من البراعة العسكرية للقوات الصليبية
صمد صلاح الدين الأيوبي أمام هجومهم وتمكن من الإحتفاظ بالسيطرة على معظم إمبراطوريته. وكانت هدنته مع ريتشارد في أواخر سنة 1192 قد أنهت الحملة الصليبية الثالثة
من الدولة الأيوبية إلى تحرير القدس، لا يزال صلاح الدين الأيوبي الشخصية التي يضرب بها المثل بصفته قائداً مسلماً كان حازماً مع أعدائه.
إذ تعلم شخصية صلاح الدين التماسك والوحدة وهو أكثر ما تحتاجه الشعوب العربية في هذا الوقت.
التعليقات