للكاتب العراقي -علي حسين
القليل جدا من الكتب تحمل العديد من المعاني والفوائد والعبر بشكل يفوق بكثير ما تحتويه هذه الكتب بصفحاتها المحدودة ، بل والأدهى من ذلك أنها قد تدخلك عالما لانهاية له وتجبر ذاكرتك على الإحتفاظ بها مدى الحياة على أرفف عقلك فقط لمجرد أنك تتصفح هذا الكتاب أو تلك الرواية، والقليل جدا كذلك من الكتاب ومؤلفوا الروايات ماتجد لديهم هذه القدرة الفائقة على الشعور بأنك أمام مجموعة من الكتب وليس أمام صفحات كتاب واحد أو رواية واحدة فقط فتظل دوما على إتصال بإصداراتهم الجديدة وأنت على ثقة واعية أن قدرتك على إلتهام هذا الكتاب بمثابة وجبة دسمة من العيار الثقيل كفيلة بأن تصنع لك عالما حقيقيا في خيالك الواسع ، فالكتب ليست أكوام من الورق الميت بل إنها عقول تعيش معنا على الأرفف ، وكما يخبرنا بابلو نيرودا بأن الكتب التي تساعدك أكثر هي الكتب التي تجعلك تفكر باستمرار وبلا توقف فالكتاب سفينة من الأفكار محملة بالحقيقة والجمال والخيال.
يقول الكاتب علي حسين – العراقي الجنسية والذي نفرد له في مقال هذا الأسبوع بعض تفاصيل كتابه " غوايات القراءة" ، أنه ليس من المهم بالنسبة له أن يكون قارئا بقدر أهمية أن يكون قادرا على بث الشغف بالقراءة لديك ولدى القارئ العام ففي ذلك متعة لاتضاهيها متعة أخرى فمجرد تصفحنا لصفحات كتاب ما يمكننا ذلك الشعور أن يمنح أفعالنا رؤيا جديدة ويفرد الكاتب نصيحة العمر التي أهداها له الراحل الكبير عبدالرحمن منيف عندما قال للشاب العامل في المكتبة " الذي هو الكاتب علي حسين " : حاول أن تجعل من القراءة واقعا تعيشه.
يبدأ الكاتب في كتابه المتوسط الحجم والذي لايتجاوز المائتي وخمسون صفحة بأنه لا يعترف بالمبدأ الذي يتناوله بعض الناس بأن هناك من الكتب أو المؤلفات أو الروايات التي يمكن تصنيفها على أنها كتب سيئة على الإطلاق أو غير جديرة بالقراءة فهو يرفض هذا المبدأ قولا وفعلا مستندا في ذلك بنصيحة الروائي الأمريكي الرائع هنري ميللر في كتابه " الكتب في حياتي" حيث قال الأخير أن الكتب التي لاتروق لك اليوم ربما تصبح غدا أو فيما بعد مدخلا لكتب أخرى ستحبها لاحقا في المستقبل وقد تتعلق بها أكثر من كتب أخرى وقد تجد في ثنايا هذه الكتب التي قررت هجرها عمدا ما يدلك أو يرشدك على أسماء كتب أخرى أو مولفين اخرين وبالتالي فإن هذ الكتاب المهمل في حد ذاته دليل الى كتاب اخر أو مولف آخر لم تتعرف عليه من قبل.
لدي تجربة شخصية - استنادا الى هذا المبدأ- مع معظم إصدارات الكاتب الكبير " عباس العقاد" والذي أجد بعض الصعوبة في فهم بعض كتبه خاصة تلك التي تتناول أفكارا أو تنتهج فلسفة عميقة ومن ضمنها كتابه " عقائد المفكرين" الذي تصفحته عدة مرات على فترات متباعدة ولم يروق لي يوما ولكن في أحد مرات التصفح أشار الكاتب بين ثنايا السطور الى كتاب آخر من تأليفه " ساعات بين الكتب " وما إن وقع بصري على الكتاب حتى أعجبت بإسمه وتخيلته مختلفا عن الكتاب الذي بين يدي ، وقمت في اليوم التالي بشرائه وكان هذا الكتاب الجديد " ساعات بين الكتب" بمثابة موسوعة جديدة وبعدا آخر أضاف لي الكثير من المعلومات المفيدة عن الكتب التي سمعت عنها ولم تتح لي الفرصة لقراءتها أو شرائها وهذا يؤكد ويثبت صحة النظرية القائلة بعدم وجود كتب سيئة في المطلق.
يغوص علي حسين بين أرفف مكتبته مستعرضا نظرية مكسيم جوركي التي تؤمن بنظرية " على الأرض مايستحق القراءة" حينما أخبرنا أنه إذا واظب المرء على إتباع برنامج معين فسيكون متأكدا أن خلايا مخه لن يعلوها الصدأ على مدى الدهر مما يساعد ذلك على تقليل نسب الإصابة بمرض فقدان الذاكرة ويتلخص البرنامج في عدة نقاط أهمها قراءة كتاب واحد جيد إسبوعيا على الأقل وتصفح جريدة أو مجلة في أي مجال بين يوم وآخر مع قراءة ممتعة لرواية واحدة على الاقل شهريا وتدوين بعض الملاحظات لمراجعة الكتب المهمة.
يتحدث أيضا عن مقولة فرنسيس بيكون الشهيرة " بعض الكتب وجدت كي تذاق وبعضها كي تبتلع والبعض القليل كي تمضغ وتؤكل وتهضم في معدة العقل " ، كما يشير الكاتب في جانب آخرمن جوانب الكتاب مقولة أمبرتو إيكو الخالدة " من لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى لو تجاوز عمره السبعين عاما ، أما من يقرأ فيعيش خمسة الآف عام فالقراءة أبدية أزلية" كما يوضح أيضا أن القراءة توفر للعقل مواد المعرفة أما التفكير فهو الذي يجعل مانقرؤه خاصا بنا.
يتطرق الكاتب في فصل آخر إلى إفتراضية جديدة منسوبة الى فرانز كافكا والتي قد تكون مؤلمة بعض الشيئ ولكنها مليئة بالحقيقة العارية وذلك عندما يخبرنا كافكا " إذا كان الكتاب الذي نقرأه لايوقظنا بضربة على الرأس فلماذا نقرأه إذن ؟ فالكتب التي تجعلنا سعداء قد تكون نوع من الخديعة " ولهذا يتسنى علينا أن نختار بعناية ما يجب أن نقرأه وكما يحكي عباس العقاد لأنيس منصور أن هناك نوعين من الصدمات صدمة تفتح الرأس وصدمة تفتح العقل والمتب هي أحد أنواع الصدمة الثانية.
الكتاب ممتع جدا ولايمل منه ويمكن قراءته من أي إتجاه وبدون ترتيب أو من خلال إسم الموضوع الذي يروق لك فسوف يفتح لك عزيزي القارئ آفاقا جديدة لأسماء كتب ومؤلفين من شتى بقاع العالم.
التعليقات