أصبحت التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي على درجة عالية من التقدم والنضج، وتحولت أعمال الخيال العلمي حول قدرات الروبوت إلى واقع، ولم يعد الأمر يقتصر على مخاوف من تقاعد الانسان عن أداء العديد من الوظائف لتحل محله تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنما أصبح الحديث يدور عن قدرات جديدة لم نكن نتخيلها من قبل تصل لدرجة قيام الروبوتات بصياغة تعريفات علمية دقيقة والحوار معك مثل البشر، بل وكتابة قصص وأشعار ومقالات وقول النكات والقيام بتعليقات سياسية تضاهي حملات كانت من قبل تحتاج إلى تجنيد آلاف وربما ملايين البشر.
باختصار أصبحت القوة التي تتميز بها نظم الذكاء الاصطناعي تفوق قدرات البشر ومهاراتهم. أكبر مثال على ذلك يتجسد في تقنية روبوت «الدردشة» الجديد «تشات جي بي تي»(Chat GPT) الذي أصبح حديث العالم منذ طرحه للاستخدام المجاني في أواخر نوفمبر الماضي، وبلغ عدد مستخدميه أكثر من مليوني مستخدم خلال أقل من شهرين، ووصفته بعض وسائل الإعلام بأنه أفضل ما طرح من نوعه على الإطلاق.
يمكن لهذا الروبوت الرد على أسئلة متنوعة، فهو أشبه بإنسان آلي ذي قدرات متعددة يمكنه شرح مفاهيم علمية أو كتابة مشهد مسرحي أو فرض جامعي.
الروبوت الجديد الذي طوّرته شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي «أوبن أيه آي» بمدينة سان فرانسيسكو، التي يدعمها «مايكروسوفت»، وقطب التكنولوجيا ماسك، يتحاور مع المستخدم ويجيب عمّا يُطرح عليه من أسئلة بشكل مفصل، ويتذكر كل ما طُرح عليه من أسئلة خلال الحوار الذي يتم وكأنه بين شخصين. وقد دربت الشركة ذلك النموذج، باستخدام كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر العامة، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، بحيث يستطيع الروبوت أن يُنتج نصوصاً أشبه بالنصوص البشرية من خلال تعلم خوارزميات تقوم بتحليل عدد هائل من البيانات، ويعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. وهكذا تحول تطبيق «تشات جي بي تي» بالفعل إلى مصدر تهديد قد يقوض الكيفية التي تصاغ بها الاتصالات اليومية، مثل رسائل البريد الإلكتروني وأنواع أخرى متنوعة من الكتابة.
لعل أبرز ما يميز تشات جي بي تي هو قدرته الفائقة والفورية على شرح مفاهيم معقدة بكلمات بسيطة، وبإنتاج محتوى من الألف إلى الياء دون الاقتباس المباشر من مصادر أخرى. وتشمل استخداماته الكثير من المجالات فيمكنه كتابة أكواد (رموز رقمية) تستخدم في البرمجة، وقصائد وقصص جديدة بأي أسلوب تتخيله، وتأليف نكات عن أي موضوع تحدده له. وقد قامت زميلة في منصة الكترونية دولية شهيرة (موقع بي بي سي) بتجربة الحديث مع هذا الروبوت، طلبت منه باللغة العربية أن يعرف الذكاء الاصطناعي، فقال:(الذكاء الاصطناعي هو نوع من الذكاء الذي يتم تطويره عبر الحاسوب. يعتمد هذا النوع من الذكاء على البرامج والخوارزميات التي تعمل على معالجة وتحليل البيانات واتخاذ القرارات بشكل تلقائي. يستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم الآلي والتجارة الإلكترونية والرعاية الصحية والأمن الحاسوبي).
و سألته: «من هو أهم مطرب في تاريخ العالم العربي؟»، فقال: (لا يمكن الإجابة عن السؤال بشكل واضح ودقيق، لأن هذا الأمر يعتمد على نظرة الفرد الذي يطرح السؤال. وعلى الرغم من أن هناك العديد من المطربين العرب الشهيرين والذين قدموا مساهمات كبيرة للموسيقى العربية، فإن المطرب الذي يعتبر «أهم» من حيث التأثير العام قد يكون مختلفا من قبل كل فرد». وسألته ، عن أول رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا: فأجاب (روبرت والبول، وتولى المنصب من عام 1721 إلى عام 1742).
طلبت منه أن يقول نكتة عن شخصية شهيرة، فاعتذر قائلا :(إنه ليس مبرمجا على قول نكات عن أشخاص بعينهم لأن ذلك قد يعتبر مسيئا وغير لائق، وإنه يستطيع أن يكتب نكتا عامة عن مجموعة كبيرة من الموضوعات) نلاحظ أن في رده تفكيرا في الإجابة وليس مجرد رد مبرمج، مما يعبر عن مهارات فكرية عالية، لذا ليس من المستبعد في المستقبل القريب أن نقرأ حوارا يجريه صحفي حول قضايا الساعة مع (المفكر التكنولوجي الكبير الروبوت جي بي تي) أو غيره من الروبوتات!.
التعليقات