للضوء طبيعة فيزيائية تتأثر به العين البشرية وتقرؤه تماماً كما تقرأ الكلمات في أي كتاب، مما يؤثر وبشكل كبير في إيصال المعلومة للعقل بشكل صحيح، فالعين بما أنها أحد الأعضاء البشرية المعبرة عما يدور في خلد الإنسان، هي أيضاً من الأعضاء المسؤولة عن دخول المعلومات للعقل ليقوم بدوره بتمحيص هذه المعلومات واتخاذ رد الفعل المناسب.
وبما أن العين البشرية لا تبصر إلا كل ما هو مضاء، هي أيضاً تتأثر تأثراً بالغاً بالخواص الفيزيائية للضوء، هذا التأثير الذي كتب عنه العالم العربي البغدادي الحسن بن الهيثم في كتابه "النظائر" مثبتاً بتجربته الشهيرة "القمرة" كيفية إبصار العين البشرية داحضاً بها نظريات سابقيه من علماء اليونان والإغريق عن طريقة إبصار العين.
تجربة "القمرة" لإثبات طريقة ابصار العين لم تكن إلا اختراعاً لأول كاميرا على الاطلاق في عام 1000 للميلاد، وكانت القاعدة التي تطور على أساسها علم التصوير الفوتوغرافي، ووصول الكاميرات الحديثة إلى ما وصلت إليه في يومنا هذا، وليست كما يعتقد الكثير بأنها اختراع غربي.
كما شرح أيضاً عن الطبيعة الفيزيائية للضوء وخواصه ومساراته وسرعاته وكمياته وانكساراته وتشتته وارتحال الضوء في الفراغ وتأثيره على الألوان، وتأثر العين بهذه الطبيعة الفيزيائية وأيضاً الظلال الناتجة منها، كما عرّف البصر والمبصر به مما جعل من كتابه أحد أهم المراجع العلمية إن لم يكن أهمها التي تدرس إلى يومنا هذا في أعرق جامعات طب العيون في العالم.
أول ما يحتاجه المصور الفنان صانع الصورة وليس لاقطها (وشتان بين الاثنان) لإيصال الهدف المراد من رسالته للمتلقي متصفح الصورة هو معرفته للطبيعة الفيزيائية للضوء وكيفية تأثر العين بها.
وهناك نوعان من الإضاءة:
أحدهم الاصطناعي، كإضاءة الاستوديو أو الفلاش الذي يستطيع المصور التحكم الكامل بطبيعتها الفيزيائية وتوجيهها وأيضاً توزيعها واستغلال ظلالها على عناصر الصورة بالترتيب الفني الصحيح بدءاً بالعناصر الرئيسية وانتهاءاً بالفرعية منها.
أما النوع الثاني هو المسيطر سيطرة كاملة على الفنان، ما يجعله مجبراً على توزيع عناصر الصورة وفقاً للطبيعة الفيزيائية لهذا النوع من الإضاءة المستمد من الطبيعة كالشمس والقمر والنار وغيرها، الدور الذي يبرز حنكته وفنه وفلسفته لإيصال الهدف المراد حرصاً منه في عدم تشتت فكر المتلقي قارئ هذه الرسالة البصرية فالمصور الفنان ما هو إلا كاتب بالضوء لا الكلمات.
بعكس لاقط الصورة الذي يوجه كاميرته بأي اتجاه وهمّه الوحيد التقاط صوره بأي شكل من الأشكال، فتخرج الصورة غير معبرة باهته بدون معني مشتتة لعقل المتلقي، وبالكاد توصل بعض الأفكار الفقيرة، بالضبط ككاتب الرسالة بلغة ركيكة صعبة الفهم.
لا توجد صورة بدون الإضاءة وهي ما يشكل الرسالة البصرية فنية كانت أو فلسفية للصورة تماماً كما تشكل قواعد النحو والصرف الكتابة في أي لغة كانت.
لذلك كانت الصورة ولا تزال بألف كلمة واللغة الوحيدة التي يشترك في فهمها كل العالم بجميع مشاربه الثقافية.
التعليقات