الضجة الهائلة التى أثارتها تصريحات الرئيس الفلسطينى محمود عباس، والتى ذكر فيها أن إسرائيل ترتكب العديد من المذابح ضد الفلسطينيين.توضح بجلاء كيف تعمل الآلة الدعائية الإسرائيلية لاستغلال كل المناسبات واصطناع الفرص لكسب التعاطف من ناحية، وتشويه الحقائق والتغطية على جرائمها من ناحية أخرى، ولكن أخطر ما تكشفه هذه الواقعة هو أننا كعرب أفشل محامين عن أعدل قضية !..كيف؟ فى السطور التالية محاولة للإجابة. بداية لابد من التأكيد على أمرين مهمين: الأول: إننا كعرب ومسلمين ندين جريمة «الهولوكوست»، البشعة التى ارتكبها النظام النازى،أثناء الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها عدد من اليهود. ولكن ذلك لا يعنى أن نتجاهل الجرائم الأكثر بشاعة، التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
والثاني: أننا نحن العرب والمسلمين دعاة سلام عادل (وقعت مصر والأردن اتفاقية سلام مستمرة منذ عقود مع إسرائيل، وتلتهما دول عربية أخرى) ولكن السلام لن يتحقق فى المنطقة بدون استعادة الأراضى العربية المحتلة على حدود 4 يونيو 1967وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، والتى تؤكدها قرارات الشرعية الدولية.غير أن إسرائيل هى التى تماطل وتتهرب حكوماتها المتعاقبة من التوصل إلى سلام عادل منذ بدء المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين فى أوسلو عام 1993. نعود إلى تصريحات «أبومازن»، التى ذكر فيها، أن إسرائيل، ارتكبت منذ النكبة الفلسطينية حتى اليوم «٥٠» مجزرة «هولوكوست»، ضد الفلسطينيين، والتى تلاها هجوم شديد على الرئيس الفلسطينى وحملة إدانة هائلة تدعى أنه ينكر المحرقة،على الرغم من انه اوضح فى بيان صحفى أنه لم ينكر «الهولوكوست»، ويعتبرها من أبشع الجرائم فى تاريخ البشرية، ولكنه يقصد الإشارة إلى المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، مما دعا الجامعة العربية إلى إصدار بيان تؤكد فيه ان الحملة ضد أبو مازن تعبر عن تنمر يستهدف شيطنة الفلسطينيين والاستهانة بمعاناتهم الهائلة على مدى عقود، لتحول الجانى الحقيقى وهو الاحتلال الإسرائيلى إلى ضحية!
هذه الحادثة واحدة من الأمثلة العديدة التى توضح كيف توظف إسرائيل كل شاردة وواردة لكسب التأييد وتشويه الحقائق، فقد تم ترتيب توجيه سؤال إلى عباس خلال زيارته إلى ألمانيا لطلب اعتذار منه حول الاعتداء على فريق رياضى إسرائيلى بمناسبة الإعداد للاحتفال بالذكرى الخمسين لضحايا أولمبياد ميونخ يوم 5 سبتمبر الجاري. كما أنها تذكر العالم بشكل دورى بضحايا «الهولوكوست»، وتقيم متاحف له فى العديد من عواصم العالم بل إنه تم اصدار قانون بأوروبا يجرم من يشكك فى عدد ضحايا المحرقة.
المقارنة بين توظيف إسرائيل للمحرقة التى وقعت أحداثها خلال 12 عام (1933-1945)، وبين عشرات المذابح والجرائم التى ارتكبتها إسرائيل على مدى 75 عاما (1947-2022) توضح أننا أفشل محامين عن أعدل قضية ،جوهر هذا الفشل يكمن فى تقصيرنا فى نقل قضيتنا العادلة للعالم واقناع الرأى العام العالمى بها، فمثلا، وعلى غرار السؤال الذى تم توجيهه إلى أبو مازن خلال زيارته لألمانيا،لم نجد أى أسئلة توجه للمسئولين الإسرائيليين خلال زيارتهم إلى دول العالم أو حتى فى اثناء تواجدهم فى العواصم العربية، عن الجرائم اليومية التى ترتكب ضد الفلسطينيين، ولا عن عشرات المجازر التى يرتكبها الاحتلال الاسرائيلى بحق العرب على مدى أكثر من 7عقود.
هذه المقارنة توضح أيضا أن لدى العرب الكثير من الحقوق الموثقة والتى تؤيدها قرارات الشرعية الدولية، والمآسى الإنسانية والمواقف والأوضاع التى تدين الاحتلال الإسرائيلى وجرائم القتل والتشريد والإبادة التى يمارسها ضد الشعب الفلسطينى، وهى جرائم غالبيتها موثقة ومشفوعة بقرارات من المنظمات الحقوقية الدولية منذ العام 1947، فضلا عن وجود فرصة لتوثيق أحداثها المتتالية خلال الحروب والممارسات اليومية لقوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى، وشرح أبعادها للعالم من وجهة النظر العربية وليس حسب الرواية الإسرائيلية التى ينقلها الإعلام العالمى، وذلك عبر شبكة الإنترنت.
فلدينا الكثير من الأوراق والمواقف التى تصلح مادة ثرية لفضح هذه الجرائم، ونشرها فى مختلف ارجاء العالم، لبيان الوجه الحقيقى للاحتلال والبناء على التعاطف الذى تحقق للشعب الفلسطينى على مدار عقود وتوظيف ما قامت به الدبلوماسية العربية من جهود فى هذا المجال، باختصار هناك دلائل كثيرة على فشل العرب فى الدفاع عن عدالة قضايانا، تفاصيلها تحتاج إلى مقال آخر.
التعليقات