يغشاني الحنين للرجوع إلى الماضي فيعلو صوت القلب وتسري رعشة في الجسد ويشيع الدفء مخلوطاً بنسمات الحزن. حزن على ما فات وليس حزن مما فات فأي اً كان الماضي وأياً كان شقاؤنا فيه ومهما مر علينا من صعاب أحنت ظهورنا فما تزال قلوبنا تنبض معلنة انتصارها على المشاق كافة فلا يتبق منها سوى الذكرى محفورة بالأذهان تزداد قوة كلما سرقت السنين أعمارنا وسرقت معها جزءاً جديداً من أرواحنا حتى تهزل الأرواح وتفنى الأجساد وأبداً ما تفنى الذكرى إنما هي باقية بقاء الخلود تهفو إليها أرواحنا يدفعها الحنين.
حنين إلى ساعة ما، إلى موقف ما موجود بداخلنا كامن بين أغوار نفوسنا عابثٍ بأوتار القلوب عازفٍ لحناً عذباً شجياً يتردد في الأجواء فيعلو صداه فيتخطى حدود ذلك الجسد المادي فتهدأ الرياح وتنصت المسامع ويعود فيعلو شيئاً فشيئاً ليصل هائماً بين تلك الأرواح القابعة في السماء فيغشاها فتتساقط دموعها مطراً ساخناً يشق طريقه مسرعاً في حنين إلى تلك الأرض حاضناً إياها طابعاً قبلة فوق جباه كل من عليها وتنظر الشمس من بعيد من وراء حجابها فتشتاق لمثل هذا اللقاء فترسل بأشعتها الذهبية التي تخترق الأفاق فتصل لأحضان الأرض فتجبر الأمطار على الرحيل فتذيبها حتى تتلاشى من بين أحضان الأرض صاعدة إلى السماء راضية بما حكمت به الأقدار ولكن تظل عيونها دائماً في ترقب عسى أن تنعم عليها الأقدار بلقاء آخر. تظل تنظر إلى الأرض بعيون معلقة، عيون تفيض بالحنين.
آلة الزمن حلم لم يخترع بعد. ولو أن معظمنا يملك مفاتيحها، فقط أغمض عينيك، تنفس بعمق امتطي جواد روحك، شق الغيوم التي بداخلك ارتفع فوق كل الحواجز، تخطاها. اذهب إلى تلك الأرض الخضراء. ها قد وصلت. ابتسم كما ابتسمت من قبل، أو أبكي كما لم تبك من قبل. استحضر لحظتك واسترجع قلبك المعلق فوق طاحونة الهواء. عشها، وعند الرحيل لا تخف فستعود. حتما ستعود وقتما تريد.
صحيح أن الله أنعم علينا بنعمة النسيان ننسى أشخاصاً وأماكن ومواقف كثيرة كثيرة لكن هناك لحظات لا تنسى محفورة ف ي أذهاننا كحفر عاشقين على جذع شجرة يزداد عمقاً كلما ازداد عمرها ومهما عبثت الرياح بتعاريجها.
فما يزال صدى صوتي يرن في أذني وأنا أقول، أنا عندي ١٧ سنة … وانت؟؟؟!!!
التعليقات