حين عرف النبي إبراهيم الله تحدى قومه بكل شجاعة وقوة فحطم أصنامهم وسخر منهم ومن ألهتهم وكان جزاؤه أن ألقوه في النار التي أعدوا لها أياما وأيام حتى إنها من كبر حجمها تعذر الاقتراب منها لإلقاء النبي فصنعوا أله تسمى المنجنيق قيدوه ووضعوه بها ليلقى في النار ... من أين أتى الفتى بكل هذا الثبات فهو لم يهتز أو يجزع ولم يرجع عن موقفه ولو حتى تصنعاً فقط التسليم والقبول والرضا ...حتى لم يكن منه إلا أن قال وهو يلقى في النار (حسبنا الله ونعم الوكيل) وذكر بعض السلف أن جِبْرِيل عرض له في الهواء فقال: يا إبراهيم ألك حاجه؟ فقال أما إليك فلا.. ليس للفتى حاجه من جِبْرِيل الروح الأمين وهو مقيد ليلقى في النار!!!!!! ولكن يأتي أمر الله نافذاً قاطعاً قال تعالى (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)) الأنبياء ٦٩) فكان إبراهيم حوله النار وهو في روضه خضراء مكث فيها إما أربعين وإما خمسين يوماً قال عنها النبي: ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً اذ كنت فيها. وودت أن عيشي وحياتي كلها مثل اذ كنت فيها.
سأل إبراهيم عليه السلام الله الذرية الصالحة ولما كانت زوجته ساره عاقراً فوهبت لإبراهيم جاريه تدعى هاجر كى يدخل بيها عسى أن يكون له منها ولداً وقد كان وحملت هاجر فغارت ساره وازدادت غيرتها عندما وضعت هاجر مولودها إسماعيل فطلبت من إبراهيم أن يأخذهما بعيدا عنها ... سار إبراهيم ومعه هاجر والرضيع الى مكة ولم يكن بها أحد وقتها فوضعهما هناك ومعهما سقاء فيه ماء وجراباً به تمر وتحرك منصرفاً فتبتعه هاجر فقالت : يا إبراهيم أين تذهب و تتركنا بهذا الوادي الذى ليس به أنيس ولا شيء؟ قالت له هذا مرارا وهو لا يلتفت لها فقالت :آلله أمرك بذلك ؟ قال :نعم قالت: إذن لا يضيعنا .ثم رجعت .وانطلق إبراهيم ووقف رافعاً يديه عند البيت قائلاً(ربنا إنى أسكنتُ من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع ٍعند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون)( إبراهيم ٣٧)و ظلت هاجر مع رضيعها تشرب من الماء حتى نفذ وعطشت وعطش الرضيع فانطلقت إلى جبل الصفا لترى من فوقه مكاناً للماء أو أحد المارة فلم تجد فنزلت إلى بطن الوادي ثم أتت المروة فعلت هذا سبع مرات من دون أن تجد الماء حتى سمعت صوتا ًفقالت : )قد أسمعت إن كان عندك غواث (فإذا بالملك جِبْرِيل عند موضع زمزم يضرب الأرض قيل بجناحه وقيل بعقبه حتى ظهر الماء فأخذت تزم الماء وتحوضه خوفاً من ضياعه فطمأنها الملك عليه السلام قائلاً: لا تخافي الضيعة ،فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه ،وإن الله لا يضيع أهله. شربت هاجر وأرضعت صغيرها وتجمعت الطيور حول بئر الماء فرأها مجموعه من الرحالة فعرفوا أن وجود الطيور إشارة لوجود الماء فتوجهوا لزمزم فنزلوا بها وأرسلوا بعدها لأهلهم فنزلوا معهم ... فعمرت مكة....... قصه في نظري غريبه رجل يترك زوجته وطفله الرضيع في صحراء لا زرع فيها ولا ماء بتسليم وقبول ورضا ويكتفى فقط بالدعاء ... زوجة يتركها زوجها وحيده في بقعه غبراء وتقابله هي الأخرى بالتسليم والقبول والرضا!!!!!
وهب إبراهيم ابنه إسماعيل وهو في الست وثمانين من عمره ولما شب إسماعيل رأى النبي في المنام أنه يذبحه ولما كانت روئ الأنبياء وحي فما كان من إبراهيم إلا أنه امتثل إلى أمر الله فقال (يأبني إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى) (الصافات ١٠٢) فجاء رد إسماعيل (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) (الصافات ١٠٢) ..... أب له ولد وحيد أنجبه على كبر يهم بذبحه بتسليم وقبول ورضا وشاب يقول له أبوه أنه سيذبحه فيقابل بمنتهى الطاعة والبر من دون جدال أو حتى مماطلة!!!!!! فقط التسليم والقبول والرضا .... كيف؟؟؟!!!
ثلاث قصص لنبي واحد ملخصها حسن الظن بالخالق الذي لن يضيعك ما دمت عند حسن ظنك به .... الإيمان بمدبر الأمر خير من يحسّن التدبير ... التسليم بأن في قضائه خيراً حتى وإن كان في ظاهره شر فليس لها من دون الله كاشفة.. القبول لكل أمور الحياة أياً كانت حلوها ومُرها .... الرضا بالمقسوم قل أو كثر ..... تفويض الأمر لصاحب الامر ...وإنه لا حول ولا قوه الا به فعلا وليس قولا... فلكل ما يحدث حكمه لا يعلمها إلا هو ...أنه اليقين .... يقين النبي بعظمه خالقه.. يقين تملكه حتى أنه فاض على بيته فغرس بقلب زوجته وأنبت بقلب ابنه ... يقين صادق يخلق الطمأنينة يصبغ النفس بالسكينة يسمو بك فوق مستوى الحدث يجعلك تتخطاه .... فقط توكل على الله اجعله حسبك ووكيلك فوض أمرك إليه فإنه تعالى نعم المولى ونعم النصير ..... اجعل اليقين يغشاك كسحابه تظل حياتك وترمى بظلها على من هم حولك .... اليقين بالله يصنع المعجزة
ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ....
التعليقات