السير الشعبية .. قصص من التراث الشعبي العربي يتغنى بها شعراء الربابة أو( الحكواتي ) بلغة سهلة مسجوعة في الشوارع و الأسواق والقهاوي فيحفظها العامة عن ظهر قلب فهي تمثل الضمير الجمعي للمجتمع حيث تغرز بذرة الأخلاق الحميدة والشجاعة والبطولة الخارقة والكفاح ضد الظلم والخيانة وضد كل ما هو مغاير لأخلاق العرب …. السيرة في اللغة العربية معناها المسلك أو الطريق وجمعها ( سير ) بطلها فارس مغوار تصنعه أحلام الفقراء يحمل من الصفات ما ينشده العامة في مجتمعهم فهو صاحب المثل والقيم .. هو المظلوم الشجاع الذى يقف في وجه الشر بكل قوة منتصر في نهاية القصة فتنتصر معه أحلام الضعفاء المقهورين فيتغنوا بمجده وكأنه جزء من مجدهم الشخصي معلنين انتصارهم على ظروفهم القاسية و حياتهم الصعبة …
جمع الكاتب والأديب المصري شوقي عبد الحكيم والذي يعد أحد أهم الباحثين في التراث الشعبي المصري والعربي ما اعتبر أكبر سيرة شعبية إسلامية فى التاريخ سيرة ( الأميرة ذات الهمة ) واعتبر ما جمعه أفضل مرجع معاصر لها . ملحمة بدأت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان و تنتهي مع نهاية عصر الخليفة العباسي الواثق … كفاح امرأة يعز أمة … سيرة مجاهدة إسلامية في زمن الحريم…. ملحمة تغنى بها أهل فلسطين وانتقلت منها إلى سوريا ثم إلى مصر .
هى فاطمة بنت مظلوم الكلابي الملقبة بعدة ألقاب منها ( الداهية ) ، (ذات الرأي) والأكثر شيوعاً ( ذات الهمة ) . تبدأ الحكاية بصراع بين قبيلتي كلاب وسليم وتسير القصة فى أحداث درامية وصراعات مركبة حتى تصل إلى الصحاح جد فاطمة الذي رزق بطفلين في عهد بني أمية هما ظالم ومظلوم اللذان تصارعا بدورهما على السلطة و حينما اشتد بينهما الصراع احتكما لكبار القبيلة فحكموا باقتسام السلطة بينهما وتوريثها لأبنائهم إذا كانوا ذكورا .. ولد ظالم ولداً سماه الحارث لكن مظلوم ولد بنتاً فخاف من بطش أخيه فأخفى خبر ولادة ابنته وعهد إلى مرضعة في الحجاز بتربيتها ولما كانت طبيعة الحجاز طبيعة خشنة تعلمت فاطمة ركوب الخيل وفنون الفروسية والقتال وظهرت عليها أمارات الشجاعة والقوة فأطلقوا عليها لقب ( ذات ألهمة ) .. و ذات يوم أغير على قبيلتها وأسرت وبكل شجاعة فرت من الأسر وجمعت الرجال مكونة جيشاً بقيادتها وأغارت على القبائل منتقمة وفي خلال هذه الغارات تكشفت لها حقيقة نسبها وعرفت أن عمها ظالم قتل أباها مظلوم … في الوقت ذاته عرفت قبيلتها أنها ابنة مظلوم وأجبرها شيوخ القبيلة باتباع تقاليدهم والزواج من ابن عمها الحارث ( و يقال إن الحارث أحرجها أمام الخليفة بطلب الزواج فأجبرها الخليفة على القبول ) فقبلت مرغمة عاقدة العزم أن يكون الزواج سبيلاً لانتقامها من عمها و ابنه الحارث .. فأعلن الزواج ولكنها رفضت أن يمسسها الحارث فدبر لها مؤامرة بمساعدة خدمها وأخيها في الرضاع وسقاها مخدراً حتى يدخل بها فازدادت كرهاً له وتأزمت كثيراً لخيانة اَهلها والمقربين منها … حبلت فاطمه ثم رزقت بابنها عبدالوهاب الذى أرادت أن يشب فى ظل الجهاد ولما كانت منطقة الثغور منطقة متأججة بالحرب بين المسلمين والروم قررت الرحيل بابنها إلى هناك فرفض الحارث واحتد بينهما الخلاف حتى طعنها فى شرفها وأطلق الشائعات مكيدة لها معلناً أن عبد الوهاب ليس ابنه .
تكبدت فاطمة الكثير والكثير لتثبت براءتها أولاً ثم لترحل إلى الثغور ثانياً …كانت الخلافة في ذلك الوقت انتقلت من بنىي أمية إلى بني العباس. فحملت ذات الهمة على عاتقها عبء تحسين العلاقة بين قبيلتها وبين قبيلة بني العباس وخصوصاً بعد قتل عمها وابنه فى إحدى معارك الروم … فتزعمت ذات الهمة قبيلتها و استطاعت بكل حنكة القضاء على المؤامرات والصراعات الداخلية والفتن بين بني أمية وبني العباس وبعد توحيد الصفوف استعدت لكفاحها الأعظم وهوالقضاء على العدو الذي يهدد حدود الدولة الإسلامية .. فأصبحت قائدة الجيوش الإسلامية ضد الروم وفي أوج الحرب نجحت ذات العمة فى أسر الإمبراطور الروماني ودخلت على رأس الجيش إلى مدينة قسطنطينية تلك المدينة التي قهرت جيوش … فكانت بطولتها ملحمة ..
لم تكن ككثير من النساء … فبالرغم من المحن والمصائب التي مرت بها الواحدة تلو الأخرى … وبالرغم من أن حياتها تلخصت بين مأساة وأخرى فإنها أبداً لم تكن مكسورة الجناح .. لم تكن مغلوبة على أمرها .. لم تستسلم لا لذل ولا لمهانة. لم تستكن ولم تضعف . لم ترض بأن تعيش والسلام على حساب كرامتها أو كبريائها … قاومت وقاومت وقاومت بخطى ثابتة ومدروسة و بكل عزة … ركزت في المجال الذي رأت أنها قادرة على اكتساب مهاراته ومن ثم العطاء فيه .. عافرت حتى ثقلت إمكاناتها … صبرت حتى أصبحت متمكنة … جاهدت حتى نجحت فأعطتنا سيره نتعلم منها …. عزيزتي برغم كل المصاعب ورغم أنف كل المحن كونى ذات همة ولا تكونى أبداً مكسورة الجناح ….
التعليقات